حرفٌ نبيل في معجم ما قدمه المرجع السيستاني للبصرة

في كل أزمة.. يدُ المرجعية الدينية العليا لا تعجز عن تقديم الحلول والمعالجات وإن بح صوت خطابها، فكانت حاضرة فاعلة في الحد من أوجه المعاناة التي طالت البصرة الفيحاء المحافظة الاولى التي رفدت البلد بالموارد المالية والاولى ايضا في عدد شهدائها وجرحاها الذين قدمتهم في معركة الدفاع ضد عصابات داعش الارهابية التي لا تزال شوارعها وازقتها تمتلئ بصور آلاف الشهداء الذين بذلوا أرواحهم في سبيل انقاذ العراق وحماية أهله ومقدساته..

وكان لها حضورها بالدعم اللوجستي والألوية والتشكيلات التي تجاوزت (20) تشكيلا، وكانت قد عانت من النقصٍ الكبير في الخدمات؛ مما دعا ابناءها الى الخروج باحتجاجات شعبية تعبر عن مطالب الكثير منهم ممن يعانون شظف العيش والنقص الحاد في الخدمات العامة كقلّة ساعات التجهيز بالكهرباء وعدم توفر القدر الكافي من المياه الصالحة للشرب؛ وتفشي الامراض فضلا ً عن انتشار البطالة وقلة فرص العمل والكسب اللائق وعدم كفاءة معظم المؤسسات الصحية بالرغم من ارتفاع نسب الاصابة بالأمراض الصعبة في المحافظة..

كيف عبرت المرجعية عن قلقها وأسفها البالغ لتطورات الاوضاع في البصرة؟

المرجعية التي كانت تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع في مدينة البصرة العزيزة وهي تعبر عن عميق ألمها واسفها لما آلت إليه الآمور في البصرة الفيحاء حينها مما حذرت منه لأكثر من مرة ولكنّها وللأسف لم تجد آذانا صاغية لتحذيراتها.


ذلك كان مدعاةً لصدح صوت المرجعية الدينية العليا على لسان ثقتها سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ (13/7/2018)، للمطالبة بحلول عاجلة وبرامج مدروسة لحلِّ المشاكل القائمة بوتيرة متصاعدة في البصرة،


مؤكدا ان ذلك "يتطلب اتباع سياسة حازمة وشديدة مع الفاسدين ومنع استحواذهم على موارد البلد بأساليبهم الملتوية، والاستعانة بالخبراء واصحاب الكفاءات ومن لا يجاملون على حساب الحقيقة للوصول الى حلول جذرية للأزمات الراهنة" ومحذرا من اختلاق الذرائع والمبررات لتحميل الاخرين مسؤولية ما جرى ويجري منذ سنوات طوال على أهل هذه المحافظة الكريمة من الأذى والمعاناة، فقد جرّب أهلها مختلف الكتل السياسية في إدارة محافظتِهم ولم يجدوا تفاوتاً في أوضاعهم؛ بل ازدادوا بؤساً وشقاءً".

من خطاب التضامن مع البصريين الى نهضة كبيرة..

ولم يزل صوت المرجعية يصدح ليقول الى المواطنين والمحتجين:

"لا يسعنا الا التضامن مع أعزائنا المواطنين في مطالبهم الحقة مستشعرين معاناتهم الكبيرة ومقدرين أوضاعهم المعيشية الصعبة وما حصل من التقصير الواضح من قبل المسؤولين – سابقاً ولاحقاً- في تحسين الاوضاع وتقديم الخدمات لهم بالرغم من وفرة الامكانات المالية، حيث انهم لو احسنوا توظيفها واستعانوا بأهل الخبرة والاختصاص في ذلك وأداروا مؤسسات الدولة بصورة مهنية بعيداً عن المحاصصات والمحسوبيات ووقفوا بوجه الفساد من أي جهة او حزب او كتلة لما كانت الاوضاع مأساوية ً كما نشهدها".

ولقد انكشف لمتابعة ممثلية المرجعية الدينية لمشكلة الماء في البصرة مدى التقصير الحكومي في معالجة هذا الملف حيث ظهر انه كان بالإمكان ببعض الجهد وبمبالغ غير باهضة بالقياس إلى امكانات الحكومة تخفيف الأزمة إلى حد كبير، ولكن عدم كفاءة بعض المسؤولين وعدم اهتمام البعض الآخر والروتين الإداري والتقاطع بين الجهات المعنية وعوائق من هذا القبيل أدت إلى تفاقم المشكلة والوصول إلى حد الأزمة الخانقة.

حينها ارسل المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف)، ممثله السيد أحمد الصافي إلى محافظة البصرة مع خبراء لحل أزمة تلوث مياه الشرب في المدينة، والوقوف على اصل المشكلة، ووضع خطة آنية لحلها، مع مناقشة الخطط متوسطة وبعيدة المدى للحل.

ومع تفاقم الازمات لاسيما ملوحة المياه حرصت العتبة الحسينية المقدسة على تأهيل محطات مياه البصرة بناء، وأنجزت العتبة المقدسة نصب محطات مياه عذبة وتجهيز (30) محطة لمياه الشرب في البصرة، و


فضلا عن مشاريع تحلية المياه كان للعتبة الحسينية المقدسة دور كبير في انجاز مشاريع كبيرة اُخر صرح عنها في وقت سابق متوليها الشرعي سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وكشف عن حجم المشاريع التي تبنتها العتبة المقدسة في محافظة البصرة والتي من بينها مستشفى متخصص بالأمراض السرطانية، ومدن للزائرين ومشاريع قرآنية واخرى اعلامية ومشاريع مستقبلية، ومع اشراقة شمس 19/2/2022 زار الشيخ الكربلائي مع وفد متخصص ضم مهندسي وفنييّ العتبة الحسينية المقدسة للمتابعة بشكل ميداني سير العمل في مشاريع العتبة الحسينية المقدسة في محافظة البصرة التي تنفذها الايدي العراقية، وهذه المشاريع المهمة والاولى من نوعها على مستوى العراق والمنطقة من بينها:

- مستشفى متكامل لمعالجة السرطان وهو مستشفى (الثقلين الدولي) لعلاج أمراض السرطان وهي من أفضل وأكبر المستشفيات في الشرق الاوسط.

- مجمع (مدينة الثقلين) السكني للفقراء بواقع (3000) دار سكني يضم ملعب ومراكز صحية وجامع ومدارس، وتم انجاز 250 بيتا منها لحد الان بالتمام والكمال لإسكان عوائل الفقراء وذوي الشهداء واليتامى.

- مكتبة الإمام الحسين (عليه السلام) في منطقة الجمعيات ينفذ على ارض تبلغ مساحتها (1500) متر مربع، ويتكون من سبعة طوابق وان نسبة الانجاز تجاوزت (50%).

- مدينة عصرية للزائرين بمساحة (300) دونم وتقع شرق البصرة قرب منفذ الشلامجة.

- مجمع مدارس الثقلين للأيتام بمساحة (35) دونما في منطقة الجزيرة بالبصرة، وهي ست مدارس عملاقة كل مدرسة متكونة من ثلاثة طوابق بمجموع كلي (432) صفا وصالات للطعام ومسجد وغيرها، ونسبة الانجاز الان ثلاث مدارس تم اكمالها بالتمام.

-  مركز لعلاج مرضى التوحد وهو عبارة عن مدينة متكاملة بأحدث التقنيات والاجهزة الحديثة ونسبة الانجاز فيه وصلت الان 85%.

-  مشاريع متنوعة من بينها مشاريع تحلية المياه في عدد من الاقضية والنواحي.

 

مع الاحتجاجات المرجعية تدعو لتجنب التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة

وبالعودة الى فترة الاحتجاجات وتفاقم الازمة في البصرة وبهدف تحصين المجتمع من التفكك والانحلال الذي يخالف سلوكيات واستقامة ديننا الحنيف وجه الشيخ الكربلائي خطابه الى المحتجين قائلا:

"يرجى من المواطنين الكرام أن لا تبلغ بهم النقمة من سوء الاوضاع بإتّباع اساليب غير سلمية وحضارية في التعبير عن احتجاجاتهم وان لا يسمحوا للبعض من غير المنضبطين او ذوي الاغراض الخاصة بالتعدي على مؤسسات الدولة والأموال العامة او الشركات العاملة بالتعاقد مع الحكومة العراقية ولاسيما ان كل ضرر يصيبها فإنه سيعوض من أموال الشعب نفسه".

ونوه سماحته حينها عن دور المسؤولين في الحكومتين المركزية والمحلية وطالبهم بالتعامل بجدية وواقعية مع طلبات المواطنين والعمل على تحقيق ما يمكن تحقيقه منها بصورة عاجلة.. واضاف ان "ليس من الإنصاف؛ بل ولا من المقبول أبداً أن تكون هذه المحافظة المعطاء من أكثر مناطق العراق بؤساً وحرماناً، حيث يعاني الكثير من أهلها شظف العيش وقلّة الخدمات العامة وانتشار الامراض والاوبئة ولا يجد معظم الشباب فيها فرصاً للعمل بما يناسب امكاناتهم ومؤهلاتهم"..

وفي سياق متصل، عبرت المرجعية الدينية العليا عن رفضها استخدام العنف المفرط تجاه المتظاهرين والقوات الأمنية بالبصرة، ودعت المرجعية إلى الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وإلى حضور كبار المسؤولين إلى مواقع العمل لحل مشكلات البصرة، مرجعة سببها إلى "التقصير والروتين والفساد".

 

لماذا تهتم المرجعية بالبصرة في وقت تعاني فيه جميع المحافظات؟

نشط بعض المدونين بطرح تساؤلات مفادها: لماذا البصرة محط اهتمام المرجعية الدينية في الوقت الذي تعاني فيه اغلب المحافظات العراقية من مشاكل شبيهة بتلك التي خيمت على البصرة الفيحاء؟ وهنا لا بد من الاجابة على عدد من التساؤلات التي تداولها البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي او طرحها البعض الاخر على شاشات التلفاز عن سبب هذا الاهتمام الكبير بمحافظة البصرة في وقت تعاني فيه جميع المحافظات العراقية من تلكؤ في الخدمات وغياب الاهتمام الحكومي، فيما تساءل اخرون، هل ان المرجعية ستقوم بنفس الاجراءات لو كانت هنالك شحة وتلوث للمياه في محافظات الموصل او الانبار او صلاح الدين او غيرها من محافظات شمال وغرب العراق؟.

بطبيعة الحال ان الجواب على تلك التساؤلات واضح كوضوح الشمس والشواهد لإثباته حية، فما قدمته المرجعية عبر العتبتين المقدستين لا يمكن لأحد تجاهله خصوصا إبان الجائحة وحرب العراق على عصابات داعش..

نعم، ان المرجعية الدينية العليا التي عرفت بمواقفها الوطنية والابوية سيكون لها موقف خاص في حال استشعرت اي خطر يصيب العراق من شماله الى جنوبه، ولعلّ الجميع كان على مسمع ومرأى من فتوى الدفاع الكفائي التي اطلقتها بعد ان تعرض اهالي الموصل للخطر، فلبى نداءها خيرة ابناء البلد من اقصى جنوبه للدفاع عن اخر شبر من شماله.

مؤسسة العين في البصرة

(25) فرعا لمؤسسة العين للرعاية الاجتماعية في البصرة ترعى خلالها عشرات الآلاف من ايتام البصريين وابناء الشهداء وتساعد في تنميتهم ودمجهم مجتمعيا وكان من بين مشاريعها افتتاح مبنى الانجم الزاهرة الثاني في قضاء الزبير بعد المبنى الاول في ابي الخصيب، وهو أحد مشاريع الصدقة الجارية التي تقيمها المؤسسة بتَولية سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) وقد تبرع المساندون بصدقاتهم الجارية لإنشائه في حملتي (مثَلُ حبة) الأولى والثانية عامي 2021 و2022.

ولا يفوتني ذكر دور العتبتين الحسينية والعباسية المقدستين ومساعيهما الجادة لرعاية كل من يحتاج الرعاية والتواصل مع من يستحق التواصل، من ذوي الشهداء والجرحى والمبادرات المجانية التي لم تستثنِ عراقيا اينما كان ومن اي عرق كان متى ما كان.

العودة إلى الأعلى