الفوتوغرافي خليل الطيار : الكاميرا توطين للذاكرة الإنسانية
أكثر من 40 عاماً بدأت علاقته بفن التصوير عندما بدأ يدرس و يتعلم فن التصوير ، لينطلق بعد ذلك في آفاقه ومدياته المعرفية والتقنية ، ويستقطب احدث معدات التصوير من مناشئ عالمية فاصبح لديه شغف التجول في الاسواق المحلية، والبلدان من اجل اقتناء انواع الكاميرات ، ومختلف معدات التصوير ، حتى اصبح اليوم يمتلك اكثر من 4000 قطعة تجمع مختلف اجهزة التصوير وملحقاتها، بعضها يقدر عمرها اكثر من 100 عام , وما زال يبحث عن نوادر انواع الكاميرات عالميا تشكل بمجموعات نواة لاقامة متحف يستوعب عرض هذه المقتنيات الثمينة أمام العالم. وكالة كربلاء الدولية التقت الناقد والباحث الفوتوغرافي الدكتور خليل الطيار من كربلاء المقدسة, أجرت معه الحوار التالي
*كيف تأسست فكرة صناعة الكاميرا لدى الإنسان؟
- دأب الإنسان، وفقا لتذليل مصاعبه على ابتكار وصناعة أدوات تعينه على تلبية حاجاته بدأها أولا بصناعة "العجلة"، تجاوز بها حدود مكانه، نحو البعد والاقتراب من الآخر، لتفتح أمامه أفاق اكتشاف العالم والأشياء. لتصل بنا اكتشافاته اليوم إلى عصر الذكاء الصناعي حيث بدأت الآلات تدخل في تحقيق حلم الإنسان الأقرب للخيال، ومن بين محصلة إنجازات الإنسان المدهشة اكتشافه آلة "الكاميرا"، التي أحدثت نقلة نوعية في كيفية توطين الذاكرة الإنسانية والاحتفاظ بها بشكل مادي، بعد أن كانت تعتمد على تذكر صور الأشياء في خزين ذاكرته الذهنية، وهو ينظر إلى ما يحيطه.
ابن الهيثم وفكرة صناعة الكاميرا
وقبل أكثر من 10 قرون يعود الفضل لوضع فكرة صناعة الكاميرا إلى العالم العربي الحسن البصري "ابن الهيثم"، عندما كان يدرس خواص مرور الضوء من ثقب صغير وإسقاط ما تحمله بلوراته وظهور معالمها مقلوبة على السطوح. ليعود له الفضل الأول لولادة فكرة اختراع "القمرا" كما أسماها، لتتحول نظرياته في علم البصريات إلى تجارب عملية على يد مجموعة علماء عبر مراحل تاريخية متعاقبة، انتهت إلى تمكن المخترع والفيزيائي الفرنسي "نيسيفور نيبيس" في العام 1826، من وضع أول طريقة التقاط صورة بدائية من نافذة منزله استغرق الحصول عليها أكثر من 8 ساعات من التعريض للوح حساس، ليدخل بعهدها عالم التصوير قفزته الأهم في العصر "الدايجيري" نسبة إلى مساعد نيبيس، المخترع والرسام "لويس دايجير" الذي نجح عبر تطوير أبحاثه الكيميائية والفيزيائية في صناعة أول كاميرا تلتقط صورة متكاملة المعالم ويمكن الاحتفاظ بها، وأمكن تسويقها للعالم في العام 1839 وهو العام الذي يعد تاريخا لولادة التصوير الضوئي ويحتفل العالم فيه سنويا تكريما لولادة عصر الصورة، ليتشكل معه للكاميرا عنوان جوهري جديد كأفضل اختراعات الإنسان المعاصر.
الكاميرا تؤرخ وتوثق للذاكرة الإنسانية
* من الطبيعي ان يتكون لدى الفرد دافع وراء الاهتمام بشيء ما، فما الدافع وراء اهتمامكم بألة "الكاميرا" وكيف ولدت فكرة الاحتفاظ بها؟
-على الرغم من صغر حجمها، إلا أن "الكاميرا" قدمت للبشرية عطاءً كبيرا غير مسبوق، وساهمت بصناعة "إنسكلوبيديا" هائلة لتوطين الذاكرة البشرية، وانتقلت به إلى عصر التوثيق المادي والتثبيت من الحقائق كما ساهمت الكاميرا بإحراز تقدم علمي ومعرفي هائلين للإنسان، فلولاها ما عرفنا عظمة أسرار الخالق العظيم -عز وجل- للكون، فصعدت لأفاق السماء، وغاصت في أعماق البحار، وهامت في تخوم الطبيعة، لتكشف عوالمها المخفية ومخلوقاتها وأسرارها، وارتحلت إلى أمكنة، لا قبل للإنسان من الوصول إليها، لتقرب لنا البعيد، وترحل كل ما هو قريب وبها كسرت الحجب، واخترقت الأسرار واكتشفت الحقائق، وتجاوزت المحذورات، والمقيدات وقدمت الأدلة والبراهين علن كل ما مسكوت عنه ومخفي . ومن هذه الزاوية الفلسفية لفهم قيمتها صرت أتعامل معها، واهتم بجمعها، واكتشف عوالمها وأتابع أجيالها، لا بوصفها آلات جامدة صماء، بل بوصفها كائنات متحسسة ومستشعرة، تنظر وتتابع تحولات أفعال الإنسان وأنشطته وتسجل مآثره العظيمة وتسجل أفعاله الشريرة، وترصد وتكتب سيرة البشر بالنور، فهي عيوننا المؤجلة في كل مكان. وهي عين التاريخ، الأقدر على خزن وتوثيق الذاكرة الإنسانية والاحتفاظ بها. ورغم سواد باطنها. لكنها تنظر بعين واحدة بيضاء، تحتوي كل رؤى الإنسان.
رحلة المقارنة بين أنواع الكاميرات
* ارتباطكم بفن التصوير والاهتمام بجمع الكاميرات، لا بد ان يكون له تاريخ معين فهل لكم كشفه للقارئ؟
- قبل أكثر من 40 عاما بدأت علاقتي بفن التصوير، وتحديدا العام 1984 حيث بدأت أدرس فن التصوير على يد الصديق المهندس المرحوم "مؤيد صالح" وكان محترفا ودارسا لفن التصوير ومطلعا علميا لآفاقه الواسعة وكانت تجربتي الأولى معه قد أكسبتني خبرة علمية وعملية لعلم وفن التصوير الضوئي ومجالاته المتنوعة وفي هذه الفترة تشكلت انتباهتي الأولى لجهاز التصوير (الكاميرا) التي تعاملت معها على كونها آلة مسؤولة عن تسجيل تفاصيل وجوه الأشخاص والأمكنة والاحتفاظ بها عبر شرائح فلمية.
ومع توسع التجربة بدأت أكتشف تأثير سر علاقة تحسين جودة الصورة، بين التقاطها ونوع ومميزات وسيلة الالتقاط (الكاميرا) مرورا بمراحل إنتاج الصورة في المختبر. ومن هنا توطدت علاقتي بآلة (الكاميرا) وابهرني سحر تنافس الشركات على تطوير هندسة صناعتها وغرابة تكنيك ميكانيكية عملها وتنوع أحجامها وأجسامها وعدساتها وتقنياتها، وبدأت عندي رحلة المقارنة بين أنواعها لتشكل أول رغبات جمع مجموعة من أنواع صناعاتها المختلفة...
الدراسة الأكاديمية ربطتني بالكاميرا وبالفن أكثر
*ما هي الكاميرات التي اقتنيتها للعمل أول مرة، وكيف تنامت؟
-أول الكاميرات التي ارتبط عملي معها هي ماكينة التقاط الصورة داخل الاستوديو، نوع (جيرفلكس) ألمانية الصنع، وهي كاميرا ذات مخازن شرائح فلمية مقاس 6 × 9 خاصة لالتقاط صور "البورتريه" داخل الاستوديو وهي كاميرا ثابتة تستند على ركائز ثلاثية وأخرى خشبية متحركة صينية الصنع، كذلك كاميرا (رولفلكس) للتصوير الداخلي والخارجي وكاميرا متعدد الفريمات نوع (اولومبوس) ذات 72 صورة. كما ضمت مجموعتي الأولى كاميرا "فلا" روسية الصنع، واشتريت كاميرا (فولدنك) ذات التمدد الخرطوشي نوع "كوداك" شكلت هذه الكاميرات أول نواة مجموعة متحفي التي احتفظت بها إلى اليوم ومنها انطلقت رحلتي للبحث عن أنواع أخرى صرت أسعى لشرائها وجمعها وتصنيفها.
هناك مرحلة مهمة شكلت دافعا علميا لاهتمامي بفن التصوير وبآلة الكاميرا، وهي دراستي الأكاديمية لفن المسرح والسينما، وبعدها دراستي قي مجال الصحافة والإعلام حيث اعتمدت هذه الفنون اعتمادا أساسيا على جوهر الفنون البصرية وجمالياتها وقوة تأثيرها على المتلقي، وبعد تجربة طويلة أخرجت فيها مجموعة من المسرحيات والأفلام الوثائقية، زاد اهتمامي بالكاميرات وتنوعها دفعتني إلى البحث عن أسباب تطور صناعتها واستخداماتها، سواء منها الكاميرات الفوتوغرافية أو السينمائية، وبدأت أدرس تقنياتها المضافة وأهمية تنوع أحجام العدسات فيها وباقي الملحقات المؤثرة على عوامل تحسين جودة الصورة.
بلورات الضوء عبر الزمن
* يأخذنا الفضول قليلا لسؤال قد يكون علميا بحتا، يتثمل بالبحث عن كيفية تشكل الصورة "الفوتوغرافية"؟ في جسد الكاميرا ام في خارجها؟ وتاريخها الزمني؟
-الصورة "الفوتوغرافية" نتاج القبض على بلورات الضوء وهي تتشكل قي صيرورة الزمان والمكان وبدونه لا تاريخ لوجودها، وستبقى سابحة بزمن شارد تنعدم فرصة استحضارها، ولن تترك أثرا آلا بما تسجله العين مباشرة وما يقبع منه في الذاكرة، التي لا يمكن أن تعيد سرد ماهية ما التقطته بالقبض الدقيق للواقع المتغير فولدت الحاجة لمسك الضوء والاحتفاظ به وتعميم ماهية زمنه، ليتم ترحيله لزمن آخر تبصر فيه الأشياء في مكان آخر غير مكانها الأصلي. فتم ابتكار طريقة قنصه وإيقاعه في شرك الأسطح المنعكسة فولدت فكرة "القمرة" البيت الأول التي انتعش فيه الضوء وظل محافظا على روحه فيه وسكنت معكوساته على أحد جدرانها. لكن سرعان ما بدأت بلوراته تهرب متلاشية لتختفي تدريجيا بتحول الزمن، وعندها نشأت الحاجة إلى حبس الضوء وأسره ثم قهره وإجباره على البقاء وعدم التلاشي فتمت الاستعانة بالكيمياء وأدوات الطباعة لديمومة بقاء الضوء وإعادة إحياء زمن خطفه... فبدأت الصورة عصرها "الديجيري" عندما تطورت عمليات إنتاجها، فيزيائيا وكيميائيا، وتقلبت فيه على ألواح الزجاج والنحاس التي لم تدم طويلا لهشاشة أعمارها ، وفقدت حلم خلودها، حتى وجدت ضالتها عبر شرائح أفلام (الجلاتين) فسكنت في بيوتات متعددة المساحات ومختلفة القياسات خلدت فيه وما تزال تحتفظ بقوة حضورها. لكن سرعان ما عصفت موجة تقنية اجتاحت عالمها بسرعة الضوء نفسه لتغادر حواضنها "الجيلاتينية" مرتحلة إلى بيوت التنقيط الرقمي، هي اليوم راضية عما توفره من مناخ أكثر نقاوة وأشد مساحة للعيش وأطول عمرا للبقاء. وقد تغادره أيضا لتجلس في وحاضن أخرى عابر لمادية الوسائط وسابحة في الهلاميات الضوئية التي يتم الآن الاشتغال على ابتكاراتها لإنتاج صورة افتراضية سائحه في هالات ضوئية لتعود إلى أصلها يوم كانت ضوءا.
اللوحة التشكيلية والصورة
س" إذا كانت اللوحة التشكيلة عبر الفرشاة والألوان قادرة على إعادة تشكيل وتحريك الذاكرة فما الذي أضافته الصورة؟
-لم تفارق الصورة "الفوتوغرافية" ارتباطها بالبيت التشكيلي، لأنها ولدت من رحمه رغم فوارق النطف والأجنة... فإذا كانت اللوحة التشكيلة قد ولدت من نطفة المرئي والتصور والتماهي الذهني مع واقع ومعضلات الإنسان وإسقاط مخرجاته على سطح القماش بالاستعانة بخامات الزيوت والأصباغ، لينمو جنين اللوحة بزمن مسترخ قابل للتغيرات، فالفوتوغراف ولد من نطفة الضوء لزمن متحرك تتم الاستجابة لقنصه في لحظة حاسمة لن تتكرر مرة أخرى. ورغم استعانتها بمقومات الأرحام التشكيلية وترعرعها في بيئته، إلا أن الصورة نمت وكبرت بجنسها الخاص رافضة الانتساب الأبوي لرحم التشكيل لان نطف وأجنة تشكلها مختلفة.
لكل تقنية خواص وامتيازات
* تستند آلية صناعة الكاميرات على قاعدة ثابتة تسمح بمرور الضوء من ثقب وحبسه في أسطح، فلماذا الالتصاق والاهتمام بجمع إشكالها وتعدد أجناسها لديكم طالما أن الفكرة واحدة؟
-لم تك فكرة الاهتمام بجمع الكاميرات عندي مبنية على هواية عابرة لجمع أكبر عدد منها، إنما تأسست من حاجة معرفية لفهم هذه الآلة بوصفها عنصرا فاعلا في عملية التوثيق والتسجيل لفعل البشر، فوجدت بتغيير أنواعها تتحقق زيادة بالقيمة الفنية لمخرجاتها، فلكل نوع منها استخدام خاص، ولكل عدسة بعدها البؤري، ولكل تقنية خواص وامتيازات، اضطرني ذلك فهم أسبابه في كيفية تحسين جودة الصورة من كاميرا لأخرى، وكان لعملي الصحفي دافع لأطور علاقتي مع مميزاتها وبدأت أبحث عن أنواع توفر أفضل طريقة للوصول إلى صورة تحقق الغاية الجمالية
للتعبير عن الحدث، وصرت أحتاج تبديل أنواعها وفقا لمتطلبات العمل الصحفي لتفتح الآفاق لجمع أول أنواعها وموديلاتها في بداية السبعينيات حتى تكونت عندي أول مجموعة متنوعة تجاوزت 500 نوع، أقمت خلالها معرضا في منتصف الثمانينيات لاقى استحسان جماهير وثناء من الوسط الفوتوغرافي، لتبدأ علاقتي بعدها لتأصيل هذه المجموعة على وفق دراسة أكاديمية متخصصة لعالمها كوني عملت أستاذا لمادة التصوير الصحفي في جامعة أهل البيت في مدينة كربلاء بالعراق، فأنا أجمعها وفق تراتب جيلي وتنوع في أشكال استخداماتها وتجاوزت جمع الكاميرات لأبدأ بجمع كل ما يتصل بأجهزة التصوير ومعداتها ومكملاتها فتكونت عندي مجموعة من أندر أنواع الكاميرات تعود لبدايات صناعاتها وبمختلف أنواعها الفوتوغرافية والسينمائية وكاميرات الاستخدامات الخاصة أيضا اضافة الى أجهزة البصريات الأخرى.
أسعى لإدخال مقتنياتي من الكاميرات للعراق
* المجموعة النادرة من معدات التصوير المختلفة التي جمعتها، ما الهدف الأخير من ورائها؟
- يضطر الهاوي لتنمية مجموعته، البحث عن مصادر تواجدها والسعي لاقتناء ما ينقصه من أنواعها في أي مكان، بالنسبة لي العراق هو بيئة الانطلاقة الأولى لجمع مجموعتي كونه من الدول السباقة في المنطقة العربية الذي ساهمت قوته الاقتصادية على إدخال عالم التصوير كحرفة في وقت مبكر وأنفتح على استيراد أجود معداته وانتشارها في جميع المحافظات هذا من جهة ومن جهة أخرى ساهمت مكانة العراق بوصفة حاضنة لأولى الحضارات الإنسانية وتمتعه بشواهد أثرية وتاريخية على فتح نشاط السياحة فيه وساعد ذلك على إدخال العديد من مستلزمات التصوير التي تشكل حاجة مهمة للسائح ليتحول العراق إلى جاذب ومستثمر كبير لهذه الأجهزة...
لكن ذلك لم يلب الطموح عندي بالحصول على موديلات نادرة افتقر لوجودها في العراق فكنت أنتهز فرصة سفراتي إلى الخارج للبحث عنها في الدول العربية والعالمية وأحيانا أتواصل مع هواة مماثلين للشراء منهم أو للتبادل معهم. ومؤخرا وفر الشراء الإلكتروني فرصة عن طريق مواقع تجارة الأمازون والـ( eBay)، فرصة شراء العديد من الأنواع رغم أسعارها الباهظة بسبب الشحن والتوصيل، ناهيك عن إجراءات المعنيين في الجمارك الذين يعتقدون بأن الكاميرات قطع أثرية!! وهي قطع صناعية يهتم السائح بشرائها بدافع الهواية، وليس للمتاجرة وهذا ما تسبب بحرماني من نقل الكثير من المعدات التي اقتنيتها، ما زالت في أماكن شرائها، وأسعى للحصول على وسيلة لتسهيل إدخالها للعراق لتنظم لمجموعتي التي أحرص على تنميتها دائما.
أحلم بمتحف دائم في بلدي
*هل هناك من يدعم حلمك في إنشاء متحف خاص للكاميرات؟
- رغم الإغراءات التي تلقيتها من دول عربية لاحتضان مجموعتي، يبقى هاجس إقامة متحف دائمي لها في بلدي هو حلم مؤجل يؤرقني دائما وصعب المنال، بسبب عدم اهتمام الجهات المختصة بهذا الأثر المعرفي وما زلت أناشد أي جهة محلية أو خارجية بأن تقدم يد المساعدة لاحتضان هذه المجموعة النادرة التي تجاوزت إعدادها أكثر من ٤٠٠٠ قطعة تحت سقف متحف دائم ليكون معلم يعود بالفائدة المعرفية للدارسين والباحثين إضافة إلى كونه معلما سياحيا يعود بالفائدة المالية للبلد، كما نجده في أغلب دول العالم التي تهتم بإقامة المتاحف الشخصية المتنوعة التخصصات.
الصورة جنس أدبي يكتب نصه بالضوء
* أخيرا.. هل لهذا العدد الكبير من الكاميرات علاقة في الباعث النقدي الذي تكتب فيه؟
-لطالما أكدت أن "الكاميرا" أداة حبس للضوء يسعى المصور من خلالها إلى إنتاج جملة بَصًرية تحققها فواعل مرئيات المصورين، عندما يتعاملون مع الواقع لصناعة صور يقبضون فيها على لحظات وأفعال ومشاهد استثنائية، يعيدون فيها تأسيس تاريخ جديد لشيئياتها ليبقى خالدا.
ومن هنا بدأت أركز على العلاقة المتبادلة بين الكاميرا، وبين توظيفاتها وعرفت المقومات التي يمكن للمصور أن يستثمر فيها حدود تقنيتها بإنتاج صور قادرة على السرد واختزال الكلمات وكتابتها بالضوء، لكن يبقى أن أقول إن التقنية مهما تقدمت في الكاميرا تبقى هي وسيلة حبس للضوء، تشكله رؤية المصور لإنتاج مرئيات فاعلة تزرع أجنتها في أرحام هذه الكاميرات، فهي مصدر الولادات الحقيقة لصورهم. وسعيت عبر صفحتي المتخصصة (المشغل الفوتوغرافي) أن أضع لقراءة الصورة منهجا نقديا متخصصا يتعامل مع الصورة بوصفها جنسا أدبيا ساردا يكتب نصوصه بالضوء. أنجزت أجزاءه الأربعة وطبع منها الجزء الأول وهو كتاب (السرد في الضوء).