الإعلام ودوره في تعزيز الثقافة الإسلامية لتصحيح مفهوم الإرهاب والتطرف/ج2

: د. خليل الطيار 2024-03-23 10:57:46

المبادئ الإسلامية التي ينبغي لدور الإعلام  تسويقها وتبنيها في خطاباته.

بإثباتِ المفارقةِ التعريفيةِ لمصطلحِ الإرهابِ بينَ الاستخدامِ القرآنيِ والمعنى المحرفِ الذي تسعى لتمريرهِ الدوائرَ التخريبيةَ، ودولَ الاستعمارِ والهيمنةِ عبرَ منصاتها، فإنَ ذلكَ يتطلبُ منْ القائمينَ على ضبطِ قطاعِ الإعلامِ على مستوى المؤسساتِ العربيةِ والدوليةِ بذلَ مساعٍ حثيثةٍ لمحاولةِ تسويقِ التعاريفِ والمفاهيمِ الصحيةِ الواردةِ وفقَ النصوصِ القرآنيةِ. واعتمادَ التعريفاتِ التي تشكلُ إجماعا رسميا تحتَ مضلةٍ المجمعاتِ الفقهيةِ، والمنظماتُ الإسلاميةُ التي اتفقتْ على وضعِ تعريفٍ مناسبٍ لمفهومِ الإرهابِ وعليها أنْ تؤكدَ في خطابها التأكيدِ على جملةِ ثوابتِ وتعاريفَ منْ شأنها أنْ تعضدَ دورَ وسائلِ الإعلامِ في تعزيزِ الثقافةِ الإسلاميةِ لمواجهةِ خطابِ الإرهابِ والتطرفِ في خطاباتها.

ومنْ أهمِ المبادئِ الإسلاميةِ التي ينبغي لدورِ الإعلامِ التأكيدِ عليها في خطاباتهِ وتبرزُ موقفَ الإسلامِ منْ الإرهابِ والتطرفِ ، بالمعنى المعاصرِ ، كما وردتْ في النصوصِ القرآنيةِ هيَ:-

1-    إنَ شريعةَ القصاصِ مرتبطةً بمصالحِ الدفاعِ عنْ حقوق العبادِ في الحاضر والمستقبل،  وفي حالة السلمِ والحربِ كما في قوله تعالى. ((وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ))

2-    الوسطية والاعتدالِ منْ الصفاتِ الأساسيةِ للإسلامِ ، فقدَ تعاملُ الإسلامِ بتوازنٍ واعتدالٍ معَ الكينونةِ الإنسانيةِ بكلِ مكوناتها والوسطيةِ تعني أيضا الاعترافَ بحريةِ الآخرينَ ولا سيما الحريةُ الدينيةُ، وذلكَ ما شرعهُ الإسلامُ في قولهِ تعالى (( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ))

3-    الإسلام يؤمنُ بوحدةِ الجنسِ البشريِ، وأنَ الاختلافَ بينَ الشعوبِ والقبائلِ طريق للتعارفِ والتعاونِ، معَ التساوي في الحقوقِ والواجباتِ كما جاء في قوله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))

4-    تحرصَ الشريعةُ الإسلاميةُ على حياةِ البشرِ دونَ استثناءٍ وجعلَ هذهِ الحياةِ شرطَ استمرارِ الجنسِ البشريِ وبقائهِ، كما يعترفُ الإسلامُ بحقِ الإنسانِ في الحياةِ والكرامةِ والحريةِ دونَ نظرٍ إلى لونهِ أوْ جنسهِ أوْ دينهِ ويمنعُ قتلهُ إلا بما كفلهُ منْ حقٍ للقتلِ  وكما قال تعالى ((ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون))

5-    أصل الديانات السماوية واحد، وعلى المسلم احترام جميع الرسل وعدم التفريق بينهم، وإنكار رسالة أي أحد منهم  يعد خروج عن الإسلام. (( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون))

6-    علاقة المسلمين بغيرهم قائم على مبدأ السلم، وأن الحرب ضرورة تقدر بقدرها، فهي ليست مشروعة لذاتها، بل لها دوافعها وأسبابها المحددة.. كما ذكر ذلك بعدة نصوص كما قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) ((يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ)) ((وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ))

7-    المسلمونَ في جهادهمْ دعاةً إلى اللهِ تعالى، لا يقصدونَ الاستعلاءُ في الأرضِ والتحكمِ بمصائرِ الأممِ والشعوبِ، إنما يقصدونَ تبليغُ دعوةِ اللهِ تعالى. ((قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ))

8-   الحرصُ على هدايةِ الناسِ وبذلِ الجهدِ في التوضيحِ والبيانِ والإقناعِ، لذلكَ كانَ منهجُ الدعوةِ يقومُ على الرفقِ واللينِ والحرصِ على هدايةِ الناسِ . ((اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))

9-   التأكيد على مبدأِ المعاملةِ بالمثلِ معَ الحثِ على التسامحِ والعفوِ. ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)) (( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))

10-   التأكيد على وجوبِ احترامِ العهودِ والمواثيقِ، وتحريمَ الغدرِ والخيانةِ ونقضَ العهودَ منْ الأعداءِ. ((وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) وقال تعالى: ((وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ))

11-  معاملة المقاتلينَ والأسرى والجرحى على أساسِ الحرصِ على هدايةِ الناسِ، وعدمَ إكراههمْ على الدينِ، والرغبةُ على غرسِ التقوى والأخلاقِ الحميدةِ في نفوسِ الجندِ كما في قوله تعالى ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) وقال ((وَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ اَلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اَللَّهَ لَا يُحِبُّ اَلْمُعْتَدِينَ)) وقال ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا))

12-  إنَ قواعدَ القانونِ الدوليِ الإنسانيِ لا تخرجُ عنْ مضلة الإسلامِ بحالٍ، بلْ إنَ الكثيرَ منْ هذهِ القواعدِ تجدُ مصادرها في هذا الدينِ الحنيفِ وفي الأحاديثِ الشريفةِ والسنةِ. وفي هذا الموردِ نذكرُ بما قالهُ الأمينُ العامُ السابقُ للأممِ المتحدةِ كوفي عنانْ: عنْ ( قولُ الإمامْ علي ابنُ أبي طالبْ - عليهِ السلامُ - و - رضيَ اللهُ عنهُ - وأرضاهُ ) : عندما خاطبَ مالكْ الأشترْ يومً ولاهُ على مصرَ (يا مالكْ إنَ الناسَ صنفانِ ، إما أخُ لكَ في الدينِ أوْ نظيرَ لكَ في الخلقِ )، وقالَ عنها عنانٌ (أنَ هذهِ العبارةِ يجبُ أنْ تعلقَ على كلِ المنظماتِ وهيَ عبارةٌ يجبُ أنْ تنشدها البشريةُ )، وبعدُ أشهرٍ أقرتها اللجنةُ القانونيةُ في الأممِ المتحدةِ ، وصوتتْ عليها الدولُ باعتبارِ هذهِ العبارةِ تعدُ أحدَ مصادرِ التشريعِ الدوليِ. تعميق العلاقات مع المسالمين من غير المسلمين، وطلب الاستفادة منها في توضيح صورة الإسلام، ويمتثل ذلك في قوله تعالى: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ))

الخلاصة

مما تقدمَ نلاحظُ أنَ خطأَ توظيفِ التعريفاتِ الخاطئةِ لمصطلحِ ومعاني الإرهابِ يتسببُ لدى المتلقي والقارئِ والمستمعِ بربطِ مفهومِ الإرهابِ والتطرفِ بالدينِ، وهذا هوَ ما نجحَ الإعلامُ الغربيُ بشكلٍ عامٍ على تحقيقهِ ، وساهمَ ضعفُ مهنيةِ إعلامنا العربيِ وفقرِ محتوى خطاباتهِ على تعميقهِ وتوسعةِ تنميطهِ في الأذهانِ. فالإرهابُ والتطرفُ لا يمكنُ قصرهُ على مسألةِ الدينِ. إنما قدْ يحدثُ كذلكَ في العلمِ كما في تطرفِ صناعةِ القنبلةِ الذريةِ كمثالٍ واضحٍ، ويحدثَ في سلوكِ البشرِ ويحدثُ في كلِ مساراتِ الحياةِ العامةِ للإنسانِ.

وبالتالي هذهِ الورقةِ نقترحُ جملةٌ منْ المقترحاتِ العمليةِ، تساعدَ على التوصلِ إلى معالجةِ إشكالياتِ تحديدِ تعاريفَ وتشخيصاتِ واضحةٍ لمفهومِ مصطلحِ الإرهابِ وتحول دون تنميط استخداماته الخاطئة. ولا بد لوسائلِ إعلامنا الرسميةَ والمستقلةِ أنْ تعتمدها، لتنجح في تصحيحِ الصورةِ الذهنيةِ الخاطئةِ والمرتبطةِ بالمصطلحِ، ونوردُ بعضا منْ هذهِ التوصياتِ الأساسيةِ.

1-    عدمُ استضافةِ وتمكينِ ظهورِ شخصياتٍ مغاليةٍ وتدعو لنشرِ خطابِ التحريضِ على الإرهابِ والتطرفِ. وتسعى لتوظيفِ المصطلحِات في غيرِ موردهِا.

2-   تنقيةُ منابرِ الخطابِ الدينيِ منْ السجالاتِ الطائفيةِ المنفرةِ والمحرضةِ . ومنعَ تمكينُ وصولها للجمهورِ عبرِ منصاتِ الإعلامِ.

3-   نشرُ وتسويقُ مفاهيمِ الثقافةِ الإسلاميةِ الوسطيةِ والمعتدلةِ عبرَ منصاتِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ منْ أجلِ تصويبِ الأفكارِ الخاطئةِ ووضعها في منظورها الصحيحِ.

4-  استحداثُ وحداتِ رصدٍ في كلِ وسيلةٍ إعلاميةٍ لمواجهةِ أيِ شكلِ منْ أشكالِ تسويقِ خطاباتِ الإرهابِ والتطرفِ منْ قبلُ مذيعها وضيوفها وبرامجها.

5-   تشجيعُ ظهورِ الدعاةِ الإسلاميينَ والمفكرينَ والباحثينَ منْ مختلفِ المذاهبِ ممنْ يؤمنونَ بالوسطيةِ والاعتدالِ ويمتلكونَ ثقافةً إسلاميةً سليمةً بعيدا عنْ هامشِ الانتماءِ الطائفيِ والمذهبيِ.

6-   التأكيدُ على وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ بضرورةِ الالتزامِ باللوائحِ وقواعدِ البثِ والسلوكِ الإعلاميِ، والاسترشادُ بالمواثيقِ المعتمدةِ في قراراتِ قطاعِ الإعلامِ في جامعةِ الدولِ العربيةِ ومنظمةُ التعاونِ الإسلاميِ والتي تشكلُ مبادئَ أساسيةً في تعزيزِ مساحةِ التعاملِ معَ مصطلحِ الإرهابِ والتطرفِ.

7-   العملُ على اعتمادِ التوعيةِ المبكرةِ لدى الأجيالِ الناشئةِ منْ خلالِ المناهجِ الدراسيةِ لتعزيزِ التعريفاتِ الصائبةِ لفهمِ المصطلحاتِ الدينيةِ وتوضيحِ أبعادها في سياقاتها النصيةِ الصحيةِ.

8-   الانفتاحُ على المنظماتِ والواجهاتِ الدوليةِ لوضعِ لوائحَ ومواثيقَ إعلاميةٍ مختصةٍ بتحديدِ التعريفاتِ الصحيةِ والثابتةِ في نشرٍ وتسويقٍ مفهمٍ الإرهابِ والتطرفِ.

9-   العملُ على وضحِ برامجَ عربيةٍ موحدةٍ في سياقِ عملِ الإعلامِ العربيِ المشتركِ الذي يتبناهُ مجلسُ وزراءِ الإعلامِ العربِ في توحيدِ الخطابِ الإعلاميِ على ضوءِ معاييرِ الثقافةِ الإسلاميةِ الصحيةِ وتعزيزها في مساحةِ البثِ والنشرِ.

10-   العملُ على إنشاءِ إنشاءِ منصةٍ إعلاميةٍ عربيةٍ رقميةٍ تسعى لتوحيدِ التعاريفِ الرينة المتعلقةَ بمصطلحِ الإرهابِ والتطرفِ والغلوِ وتنشرُ مفاهيمُ الاعتدالِ والتسامحِ والمساواةِ على وفقِ ما ترسمهُ الثقافةُ الإسلاميةُ الصحيةُ. 



العودة إلى الأعلى