التشكيلي محمد هاشم ومحاكاة واقعة الطف والأدب السومري

: صباح محسن كاظم 2024-03-17 11:14

دأب معظم التشكيليين العراقيين من القرن الماضي لليوم لتوظيف تراجيديا الطف مثلما جسد الشعر العراقي سمفونية الخلود من كاظم حيدر لشاكر حسن السعيد ..للمعارض التشكيلية طوال شهر محرم بالعراق بمعظم المدن العراقية.

ثمة خصوصية للوحات التشكيلي المبدع "محمد هاشم المنشد" من خلال الحروف وزخرفتها واغتنائها بجمالية اللون وبأواصر أسلوبية سجلت الفرادة له من خلال تقنيته بجميع لوحاته وخلال مسيرة فنية لأكثر من( 3 )عقود؛ وهو يتقن

هندسة الحروف بطاقتها الجمالية الأخاذة والمدهشة والمكتنزة بالرؤى من النصوص القرآنية المحتشدة بالمعنى المقدس..

فسطوحه الصورية تشد المتلقي لهيبة وجلالة الحرف الإسلامي برشاقة فرشاته، ودلالتها، وتوظيفاتها الجمالية للقباب، والهلال، والنجم، والرموز الإسلامية، شكلّ رؤيّة خاصة بالمبدع "محمد هاشم" في اشتقاقه الفني الذي يطرز به سطوح تلك اللوحات المدهشة بتقنيات الحرف كبؤرة مركزية في سطح اللوحة ومكملاً للدلالات الموضوعات التي يتناولها بالوجود بأسره وبكل ما يحيط بحياة الإنسان ،المكان، الجغرافيا، الزمان، هموم الذات ،الحرية، فضلاً على الاشتغال الميثولوجي للحضارة العراقية والاستفادة من موروثها الفني.

الناظر والمتلقي والفاحص لهذه التجربة الثريّة: يجد المنمنمات الإسلامية والزركشات والمرموزات والمحمولات من التراث الإسلامي بارزة في التوظيف المهاري التقني بجمالية المنظور لتلك اللوحات، لتأخذ بلباب المتلقي بسحر وجاذبية مهارة التكوين الجمالي في أعماله الإبداعية، والسمة الجامعة لعشرات الأعمال والمعارض التي أقامها- قدرة الفنان المبدع

"محمد هاشم" جعل المتلقي يتأمل بالرؤية البصرية والحسية والعاطفية مكنون الجمال للتراث الإسلامي بحروفياته ، مع تمكنه باستخدام اللون ليجعلك لا تغادر اللوحة إلا وترتشف من فيوضات الرؤى الجمالية للون المتقن مع المحمولات الفكرية والمعرفية والعقائدية للنص القرآني المقدس في انسجام هارموني يسبر القراءة البصرية وفك الاشتباكات والفيكرات بلوحاته، كالرأس المقطوع ودلالة شهادة سيد الشهداء الإمام الحسين –عليه السلام-

كما في استخدام اللون الأحمر القاني رمزاً للدماء الطاهرة الزكيّة التي روّت ثرى كربلاء، فضلاً عن إسقاطات واقعية آنية بإدانة الإرهاب وقطع الرؤوس، وصرخات الثكالى في الأزقة والحارات جراء الإرهاب ووحشيته ،كما فيها إشارات للغضب على وحشية وجريمة الأوغاد بملحمة الطف وسمفونية الخلود الحسيني، وكل مرتكب لتلك الجرائم بكل عصر ومصر وزمان ومكان..

المشغل الجمالي يحمل ثيمة الانتماء للهوية الرافدينية والإسلامية، فسطح لوحاته وجوهرها من خلال الدلالات في الكتل التشكيلية الموشاة بالقداسة.

الميثولوجيا السومرية :

الأدب السومري من ملحمة كلكامش إلى الرسوم بالمعابد إستمد منها "محمد هاشم " موضوعات لوحاته التي بعضها أُستخدمت أغلفة لكتب الأدباء لسحر الجاذبية البصرية، فضلاً عن الارتباط بالموروث الحضاري –السومري- فهو الجذر والنسغ الذي يمّد المبدع بالرؤى الجمالية والتكوينية في رسوماته، فالأثر السومري من الزقورة والرقم الطينية والكتابة المسمارية وقضية الخلود عند كلكامش يرمز لها بجمالية أخاذة في أعماله الفنية، التي لها رواج عند العرب في مختلف الأقطار العربية، بل تجاوزت لوحاته مدى وأفق الوطن العربي إلى دول عالمية، لما تمتلكه من وحدة الإيقاع والتناسق الجمالي بالانسجام بين المضمون التاريخي والواقعي؛ فضلاً عن دقة التوزيع الهندسي للوحدات المكونة للوحة التي تمنح الرؤية البصرية فرصة التأمل والتمعن والتعمق في دلالات الحروف والنص المقدس؛ مع الإشتغال المبهر في إستخدام اللون.

فقد كتب عنه الناقد سمير الهجول بصحيفة البيان العراقية ((محلقاً بأجنحة اللون المقدس يجوب سماوات الروح بفيض إشراقة صوفية، ايقاعات موسيقية تنتظم على سلم نوتاتها حروف وكلمات وجمل، وسطح تصويري تزينه اشكال زخرفية تحتضنها الوان تبحث على الطمأنينه وإحساس بالجمال ، قباب ومنائر وشبابيك جردت من أشكالها الواقعية فتسامت برمزية الفكرة وانزياح صورتها، خطوط تنطلق بكل رشاقة وسمو إلى عنان السماء كاشفة عن سر ديمومتها وهي تتشكل بانسجام مكوناتها.....)).

تأثير فاجعة الطف بلوحاته:

حينما يرسم المبدع هاشم مأساة أكثر فاجعة بالإنسانية ينقل الرائي لأجواء يتأملها بحزن ..ليتساءل لماذا ذبح الرضيع ؟ لماذا حرقت خيام النساء ؟ لماذا ذبح سبط النبي العظيم ؟. تساؤلات تعكس وحشية وسادية ووضاعة طالب المال والسلطة وإرضاء شهوة الحاكم المنحرف .. لوحات الإمام الحسين الشهيد عند المبدع محمد هاشم تعكس تجربة امتدت من السبعينيات ، خاض فيها الغربة بين لبنان وسوريا وكانت لوحاته تصل لقصور الحكام بسوريا ، البحرين ، السعودية ..

فضلاً عن معرضه بإيطاليا ،كما بيعت لوحاته بعدة دول عربية وأجنبية لقدرته التكنيكية بالتدرج اللوني ، واختيار موضوعاته من التراث الإسلامي، كان معرضه الأول بالناصرية ٢٠٠٣ بحضور وفود أجنبية ومحلية راق للحضور الكبير الذي تفاعل مع جماليات لوحاته ..كما بمشاركته بالمعرض التشكيلي الأخير ٢٠٢٣ بالنشاط المدرسي بلوحتين توقف عندها الحضور الحاشد .

الحرف وجماليته :

أجد الدهشة بتقنية الحرف بسطح لوحاته ، مع ثيمة الجمال السومري في موروثاته، لوحاته التي تعرض بصفحته بعالم التواصل الاجتماعي لها سحرها الخلاب التي تشُد المتأمل لتقنياته الجمالية ، وهو يُشيّد صِرح الجمال الباذخ بعوالم الحرف المقدس باللوحة المُعبِرة عن ضياء القلب وصوفية الاشتغال الجاد بمحراب الفن المدهش من جمالية الآيات وتوظيف الحرف بلوحاته الحسينية الباذخة الجمال والمدهشة التكوين.

أرى ان أهم الخطابات الجمالية بالمسرح الحسيني.. والتشكيل تصل بالمأساة لجميع البشرية بكل القارات.

المرفقات

العودة إلى الأعلى