أشهر المدارس الدينية بالنجف في عهد الحكم الصفوي والعثماني..
برزت مدينة النجف الأشرف كواحدة من أشهر المدن الحضارية الإسلامية، واكتسبت أهميتها التاريخية والدينية عبر الزمن من احتضان ثراها جسد الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وقد لعبت دوراً حضارياً في تاريخ العراق والعالم الإسلامي، وكانت ولا تزال مركزاً للإشعاع الحضاري والديني والثقافي، ولقرون عدة على رغم تعرضها خلال العقود الثلاث الأخيرة من القرن المنصرم للكثير من الظلم والاضطهاد والاهمال المتعمد ومحاولات تعطيل دورها الديني والحضاري المتميز..
والنجف الاشرف أول ما نزل بها الإمام عليّ (عليه السلام) نزل الكوفة، في مسجدها لا قصورها كما فعل غيره من الولاة، وقد اتخذ مسجد الكوفة مصلى له، ومعبدا ومدرسة يدرس ويخطب ويقضي فيه بين الناس، وقد تخرج من هذه (المدرسة) المدرسة العلوية أو مدرسة الكوفة الكبرى امثال (ابي الاسود الدؤلي) و(عبد اللّه بن عباس) حبر الأمة، وقد قام بعد علي (عليه السلام) في التعهد بمدرسته اولاده واحفاده حتى جاء دور الامام الصادق (عليه السلام) وعلى قلة استيطان الامام الصادق (عليه السلام) بالكوفة فقد تخرج عليه علماء كثيرون حتى ألف الحافظ ابو العباس ابن عقدة الهمداني الكوفي كتابا في اسماء الرجال الذين رووا الحديث عن الامام الصادق فذكر ترجمة أربعة آلاف شيخ بحسب حديث الجامعة النجفية لمحمد رضا شمس الدين (ص/٧-٨)..
واذا عرفنا سعة العلوم الاسلامية في الكوفة وشهرتها بالفنون الادبية اتضحت لنا قيمة مدرسة الكوفة التي انتقلت الى النجف وانتقل معها ما حملت الكوفة من الافكار المتبلورة بالدراسات السريانية والعربية والروحية الاسلامية وهي وان لم تكن مدارس على نمط هذا العصر من حيث البناء والمكان فهي مدارس على نمط عصرها من حيث الاجتماع في المساجد او الساحات او الاسواق والاستماع والمناقشة والمباهلة الادبية والقراءة والكتابة.
أما متى بنيت هذه المدارس بمثل هذه الهياكل المشتملة على الغرف والابهاء لسكنى الطلاب فليس من وسيلة الى تعيينه تعيينا مضبوطا ذلك؛ لان هذه المدارس لم تكد تشيد ويقف عليها الواقفون بعض الاوقاف للإنفاق عليها ثم يمرُّ عليها بعض الزمن ويتقادم العهد حتى تتلف الاوقاف، او يستبد بها البعض، فلم يعد هنالك من ينفق عليها وتتهدم ولا يعود لها اثر او بعض أثر، ثم تذوب بين البيوت وتصبح من الاملاك المشاعة بين الناس فلا يعرف عنها أحد شيئا..!!.
أما الحياة المدرسية لسكان المدارس الدينية فلكل مدرسة من مدارس النجف الدينية القديمة منها والحديثة انظمة خاصة تعينها صيغة الوقف، لان جميع هذه المدارس قد شيدت من الموقوفات التي وقفها العلماء، او المحسنون على طلاب الدين، ولكل مدرسة شروط خاصة يقبل بموجبها اسكان الطلاب في غرفها.
وأغلب سكان هذه المدارس من الغرباء الذين يؤممون النجف بقصد الدراسة ووصول مرتبة الاجتهاد وقد يقضون فيها عشرات السنين حتى يبلغوا المرام ويعودوا الى بلدانهم مزودين بالإجازات التي يمنحها لهم اساتذتهم من المراجع العظام.
ومنذ الف سنة والنجف مزدحمة بالطلاب الذين يأتون اليها من مختلف الاصقاع، كالهند، والتبت، والافغان، وبلوجستان، وتركستان، وقفقاسية، وايران، وافريقيا الشرقية، ولبنان فضلا عن المدن العراقية.
وحين يقبل الطالب في المدرسة يعطى غرفة فيها وتكون هذه الغرف في بعض المدارس مفروشة ومجهزة بالكهرباء وذات منح نقدية تمنح للطالب في كل شهر اوفي كل موسم، وموائد تقام على حساب المدرسة في اوقات معينة وذلك تبعا لإمكانية المدرسة، واوقافها، وازمانها اذ ان عددا من المدارس ليس لها مثل هذه الامتيازات ولا بعضها.
وهنالك عدة ادلة يستنبط منها القارئ ان عددا كبيرا من المدارس الدينية كان قد شيد في النجف ثم اضمحل، ويقول ابن بطوطه الذي زار النجف في سنة ٧٣٧هـ، في (رحلة ابن بطوطة ج/١ ص/ ١٠٩)، وهو يصف اسواقها والروضة الحيدرية: "ويدخل من باب الحضرة الى (مدرسة عظيمة) يسكنها الطلبة ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم، ومن تلك (المدرسة) يدخل الى باب القبة... الخ".. أما اشهر المدارس والمعاهد العلمية والاسلامية في النجف بين الحكم الصفوي والعثماني فهي:
مدرسة الصحن الكبرى
كانت جزءاً من صحن الروضة الحيدرية، وحين زار الشاه صفي الدين حفيد الشاه عباس الصفوي مدينة النجف سنة 1042هـ (1633م)، أمر بتوسيع صحن الروضة الحيدرية..
مدرسة الصدر
تقع هذه المدرسة في السوق الكبير وهو السوق الطويل المستقيم المتصل بصحن الروضة الحيدرية، وتعد من المدارس العلمية القديمة وتتكون من طابق واحد يحتوي على 30 غرفة، وهي واسعة وتبلغ مساحتها حوالي 900 متر مربع، شيّدها المحسن الكبير الصدر الاعظم نظام الدولة الحاج محمد حسين خان العلاف الاصفهاني وزير السلطان فتح علي شاه القاجاري بعد اكمال بناء سور مدينة النجف السادس والأخير، وذلك سنة 1226هـ (1806م)، وقد اعيد ترميم هذه المدرسة من قبل الحاج الشيخ نصر الله الخلخالي.
مدرسة المعتمد
مدرسة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، شيدها العلاّمة الشيخ مهدي بن الشيخ علي آل كاشف الغطاء وبتمويل من معتمد الدولة (عباس قلي خان) وزير محمد شاه القاجاري المتوفى سنة 1249هـ (1833م)، وتقع هذه المدرسة في محلة العمارة، وتبلغ مساحتها حوالي 800 متر مربع..
المدرسة المهدية
تقع هذه المدرسة في محلة المشراق احدى حارات مدينة النجف مقابل مرقد العالم السيد محمد مهدي بحر العلوم وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي، مجاورة لمدرسة (القوام)، شيّدها الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر الكبير صاحب (كشف الغطاء) سنة 1284هـ (1867م).
مدرسة القوام
تقع هذه المدرسة في محلة المشراق مجاورة للمدرسة المهدية وتقابل مرقد الشيخ الطوسي والسيد بحر العلوم، وتُعرف ايضاً بالمدرسة الفتحية نسبة إلى بانيها (فتح علي خان الشيرازي) قوام الملك، وقد تمّ تشييدها سنة 1300هـ. وكانت تحتوي على 26 غرفة، وقد مالت إلى الانهدام ايضاً، فقام بإعادة بنائها الشيخ نصر الله الخلخالي.
مدرسة الايرواني
تقع هذه المدرسة في محلة العمارة بجانب دار المرجع الكبير ابو الحسن الاصفهاني، وتتألف من طابقين وتحتوي على 19 غرفة، وفي الطرف الشمالي من المدرسة تقع مقبرة مؤسسها الحاج مهدي الايرواني، شيّدت سنة 1307هـ من قبل الشيخ ملا محمد الايراوني.
مدرسة الميرزا حسن الشيرازي
تقع هذه المدرسة بجانب باب الطوسي من ابواب صحن الروضة الحيدرية من جهة الشمال، وقد شيّدت من قبل المرجع الكبير السيد ميرزا حسن الشيرازي سنة 1310هـ (1893م)، ويحتوي الطابق الأرضي على مرقد السيد الشيرازي اما الطابق الاول فيحتوي على عدد من الغرف يسكنها طلبة العلوم الدينية.
مدرسة الحاج ميرزا حسين الخليلي الكبرى
وتقع في بداية شارع السلام في محلة العمارة، وتعرف عند عامة الناس بمدرسة القطب، لأن مؤسسها الحاج ميرزا حسين الخليلي كان قد اشتراها من صاحبها السيد علي القطب.
مدرسة البخاري
تقع هذه المدرسة في محلة الحويش بجانب مدرسة الآخوند الكبرى، شيّدت سنة 1319هـ (1901م) من قبل محمد يوسف البخاري وهو من اصحاب الوزير (خان ميرزا)، وقد جدد بناؤها سنة 1380هـ (1960م) وتحتوي على 18 غرفة وهي على طراز معماري حديث.
مدرسة الشربياني
وتقع في محلة الحويش في نهاية الشارع الذي تقع فيه مدرسة محمد كاظم اليزدي والمعروف سابقاً (بشارع الهنود)، وتُعد من المدارس الشهيرة في مدينة النجف، شيّدت سنة 1320هـ من قبل الشيخ محمد الشربياني، وتتألف من طابق واحد وتحتوي على 20 غرفة.
مدرسة الخراساني الكبرى
تقع هذه المدرسة في محلة الحويش، وهي مدرسة واسعة وذات مكانة علمية مرموقة، وكانت تضم الكثير من أهل الفكر والعلم، وتحتوي على 48 غرفة موزعة على طابقين، وتحتوي على مكتبة عامرة بالكتب القيمة، شيّدت سنة 1321هـ (1903م) من قبل الوزير الكبير للسلطان عبد الأحد البخاري بأمر من الملا كاظم الخراساني المرجع الكبير في عصره.
مدرسة القزويني
تقع هذه المدرسة في محلة العمارة بالقرب من مسجد الهندي، شيّدت سنة 1324هـ (1906م) على ارض كانت قبل ذلك خاناً للمسافرين، وأنفق على بنائها الحاج محمد آغا الأمين القزويني، وتحتوي على 33 غرفة موزعة على طابقين، وقد جدد بناؤها سنة 1384هـ (1964م) من قبل احد المحسنين من أهل الكويت.
مدرسة البادكوبي
تقع هذه المدرسة في محلة المشراق في شارع زين العابدين، وشيّدها الحاج علي نقي البادكوبي، وتحتوي على 28 غرفة موزعة على طابقين، ويدرس فيها ويسكنها طلاّب من بخارى واتراك من قفقاسيا.
مدرسة الآخاوند الوسطى
تقع هذه المدرسة في محلة البراق في شارع الصادق الحديث، وهي من المدارس العلمية المهمة في النجف وتحتوي على 36 غرفة موزعة على طابقين، وقد سميّت بالوسطى لأنها متوسطة المساحة بين المدرسة الكبرى والصغرى وهذه المدارس الثلاث للمرجع الكبير الملا كاظم الخراساني، شيّدت سنة 1326هـ (1908م) وقام بتمويل البناء وزير السلطان البخاري عبد الاحد.
مدرسة السيد كاظم اليزدي
تقع هذه المدرسة في محلة الحويش، وتعد من الناحية المعمارية والجمالية إحدى اشهر المدارس العلمية في النجف وتحتوي على 80 غرفة موزعة على طابقين، وامام كل غرفة ايوان صغير يعلوه قوس مدبب الشكل واجهته مزينة بأروع الزخارف القاشانية، شيّدها الامام المرجع السيد محمد كاظم اليزدي سنة 1327هـ (1909م).
مدرسة الهندي
تقع هذه المدرسة في محلة المشراق، شيّدها ناصر علي خان من الهند سنة 1328هـ (1910م) وخصصت للطلاب القادمين من الهند، وتحتوي على 22 غرفة موزعة على طابق واحد.