الإعلام ودوره في تعزيز الثقافة الإسلامية لتصحيح مفهوم الإرهاب والتطرف/ج1

: د. خليل الطيار 2024-02-28 11:32:46

تمثلَ قضيةَ التطرفِ في تأويلِ النصوصِ وتفسيرها، تحديا أمامَ الثقافةِ الإسلاميةِ (النقيةَ) في حسمِ إشكاليةِ تحديدِ المفاهيمِ الصائبةِ لتعريفِ مفهومِ الإرهابِ والتطرفِ. ولا شك في أنَ معاييرَ الثقافاتِ المعاصرةِ قدْ ساهمتْ إلى حدٍ كبيرٍ في تعزيزِ الفوضى والخلطِ في تحديدِ جوهرِ التعاملِ معَ المصطلحاتِ القرآنيةِ والتلاعبُ بتعريفاتها وتطبيقاتها. بجانبِ مساعي المؤسساتِ التخريبيةِ العالميةِ التي تعملُ على مدارِ الساعةِ لضربِ الإسلامِ في الصميمِ، مستغلةً هامشَ الخلافِ والاختلافِ المذهبيِ وتغذيةُ الحسِ الطائفيِ، ومحاولةُ توظيفِ هامشِ تأويلِ النصِ القرآنيِ ومعاني الأحاديثِ، واستثمارها في خلقِ مشاريعَ فكريةٍ متطرفةٍ تهدفُ لتقويضِ ومقاومِ عناصرِ القوةِ والمنعةِ في مجتمعاتنا العربيةِ ، وإضعاف وحددتها ، وتفتيت مشتركاتها، والإساءةُ لقيمةِ الثقافةِ الإسلاميةِ وقدرتها على مواجهةِ مشاريعِ استهدافِ الإسلامِ وتشويهِ رسالتهِ الحنيفةَ السمحاء.

                 

 

ويبرزَ هنا دورَ الإعلامِ ومسؤوليتهِ (التنويريةَ) لتسهمَ خطاباتِ مؤسساتهِ الرسميةِ والمستقلةِ وبكافةِ قوالبهِ المقروءةِ والمسموعةِ والمرئيةِ بتعزيزِ قيمةِ الثقافةِ الإسلاميةِ وتمكينها منْ نشرِ وترويجِ خطابها الوسطي والمعتدلِ، والتعريفُ بمقوماتِ تصديها للخطاباتِ الخاطئةِ وتصحيحها. ولأجلِ ذلكَ تسعى هذهِ الورقةِ لمناقشةِ بعضٍ منْ أوجهِ هذهِ الإشكاليةِ وتحاولُ أنْ تضعَ تشخيصا لبعضِ عللها وتسهمُ بخطواتِ معالجتها.

جدلية المعنى الاصطلاحي للإرهاب في وسائل الإعلام

تشكلَ التبايناتُ في تثبيتِ معنى واضحٍ وصريحٍ لا يقبلُ التأويلُ في فهمِ المصطلحاتِ القرآنيةِ إحدى أبرزِ الإشكالياتِ في منظومةِ إعلامنا العربيِ والإسلاميِ تحديدا. والتي لمْ تتفقْ منظومتهُ بعدَ على مسلمٍ محددٍ لتعريفِ معنى مفردةٍ (الإرهابُ والتطرفُ) واستخداماتهُ المغلوطةُ عبرَ مختلفِ منصاتهِ، خلافا لفهمِ المعنى الصائبِ الذي يتمُ توضيحهُ عبرَ خطابِ الثقافةِ الإسلاميةِ التي تعالجُ المصطلحَ وتفسرهُ على وفقِ القواعدِ الفقهيةِ والشرعيةِ وجدليةِ تفسيرهِ وفقَ مقدماتهِ وأثرهُ في سياقِ موردهِ في النصوصِ القرآنيةِ وتبتعدُ عنْ تفسيرهِ لغاياتٍ يرادُ منها الغلوّ والتحريضُ.

منْ هنا تقعُ على عاتقِ المنظوماتِ الإعلاميةِ مسؤوليةَ معاضدةِ وتعزيزِ الثقافةِ الإسلاميةِ وتثبيتِ معاييرِ التفسيرِ الدقيقِ لمصطلحِ الإرهابِ في مواردِ نصوصِ آياتِ القرآنِ الكريمِ وتحددَ موقفا واضحا وصريحا منْ استخداماتهِ . وتحولَ دونَ الاجتهادِ فيهِ فهما وتأويلاً.

 

 أسباب تأويل المصطلح إعلاميا

لا بدَ منْ تشخيصِ أسبابِ وقوعِ مصطلحٍ (الإرهابُ) في فوضى التأويلاتِ والتعريفاتِ المختلفةِ عبرَ منصاتِ وسائلِ الإعلامِ التي أدتْ إلى بعثرةِ مفهومهِ وأتاحَ الفرصةَ لاستخداماتهِ المغلوطةِ منْ قبلِ الجماعاتِ الإرهابيةِ والمنظماتِ المتطرفةِ . ولا بدَ هنا منْ تشخيصِ العلةِ في هذا السياقِ بسببينِ أساسيينِ هما :-

   السببُ الأولُ ليسَ مردهُ (قصورا في المعجماتِ اللغويةِ أوْ المصطلحاتِ الشرعيةِ والقانونيةِ ) ولكنهُ يعودُ إلى الأهدافِ النفعيةِ الخاصةِ لممولي هذهِ الوسائلِ الإعلاميةِ ومراجعاتها، وتسيسَ المفاهيمُ والمصطلحاتُ لخدمةِ أجنداتهمْ السياسيةِ وانتماءاتهمْ المذهبيةِ والعقائديةِ.

  وكما قامتْ علةَ التفسيرِ في الإسلامِ على مبدأِ الاتفاقِ على التنزيلِ والاختلافِ في التأويلِ، فإنَ السببَ الثانيَ في الخلافِ على مصطلحٍ الإرهابُ لا يكمنُ في المفهومُ وإنما في المصاديقْ التي ينطبقُ عليها هذا المصطلحِ وعلةِ الاختلافِ ترجعُ كما هوَ واضحٌ للمصالحِ السياسيةِ المتضاربةِ بينَ محورِ الاعتدالِ ومحورِ الشرِ والتطرفِ في العالمِ.

 

  

إشكالية تعاريف المصطلح

 

حتى هذهِ الساعةِ لا يوجدُ تعريفٌ متفقٌ عليهِ عالميا للإرهابِ في منصاتِ وسائلِ الإعلامِ وذلكَ لأسبابٍ تتعلقُ بتباينِ المصالحِ واختلافِ المعاييرِ والقيمِ بينَ الدولِ ، لذلكَ حاولَ الكثيرَ منْ المعنيينَ بتشريعِ وسنِ القوانينِ والعلومِ السياسيةِ ، فضلاً عنْ محاولةِ بعضِ المنظماتِ الدوليةِ ومجموعةِ الدولِ الإسلاميةِ ، وضعُ تعريفٍ للإرهابِ والتفريقِ بينهُ وبين نضالُ الشعوبِ كما يحصلُ في فلسطينَ وشعبها الباسلْ الذي يخوضُ نضالهُ لأكثرَ منْ 75 عاما منْ أجلِ تحريرها منْ احتلالِ الكيانِ الغاصبِ، وهوَ يعدْ عملاً مشروعا، بعكسِ مفهومِ الإرهابِ الذي يعدُ في جميعِ أشكالهِ ومظاهرهِ عملاً غيرَ مشروعٍ.

لكنَ هذهِ الجهودِ لمْ تنجحْ في تمكينِ وسائلِ الإعلامِ للاتفاقِ على تعريفٍ موحدٍ لهُ وهنا نسعى أنْ نذكرَ بعضا منْ هذهِ التعريفاتِ المختلفةِ المتداولةِ في منصاتِ الإعلامِ وننقلها على حسبِ ما وردتْ في نصوصها دونَ تغييرٍ:-

1- عرفتْ قراراتُ الأممِ المتحدةِ الإرهابَ بأنهُ: « تلكَ الأعمالِ التي تعرضَ للخطرِ أرواحا بشريةً بريئةً أوْ تهددُ الحرياتُ الأساسيةُ ، أوْ تنتهكُ كرامةَ الإنسانِ »

2-   عرفه خبراءُ الأممِ المتحدةِ الإرهابَ بأنهُ: « استراتيجيةُ عنفٍ محرمٍ دوليٍ، تحفزها     بواعثُ (أيديولوجيةً) تتوخى إحداثَ الرعبِ داخلَ المجتمعِ لتحقيقِ الوصولِ إلى السلطةِ أوْ تقويضها »

3-   عرفهُ القانونُ الدوليُ الإرهابُ بأنهُ: « جملةٌ منْ الأفعالِ التي حرمتها القوانينُ الوطنيةُ لمعظمِ الدولِ »

4-  وعرفتْ الموسوعةُ السياسيةُ الإرهابَ بأنهُ: « استخدامُ العنفِ - غيرَ القانونيِ - أوْ التهديدِ بهِ أوْ بأشكالهِ المختلفةِ؛ كالاغتيالِ والتشويهِ والتعذيبِ والتخريبِ والنسفِ وغيرهِ بغيةِ تحقيقِ هدفٍ سياسيٍ معينٍ »

5-   وفي معجمِ مصطلحاتِ العلومِ الاجتماعيةِ يعني الإرهابُ: « بثُ الرعبِ الذي يثيرُ الجسمُ أوْ العقلِ ، أيْ الطريقةِ التي تحاولُ بها جماعةَ منظمةِ أوْ حزبِ أنْ يحققَ أهدافهُ عنْ طريقِ استخدامِ العنفِ . وتوجهَ الأعمالَ الإرهابيةَ ضدَ الأشخاصِ ، سواءً كانوا أفرادا أوْ ممثلينَ للسلطةِ ، ممنْ يعارضونَ أهدافُ هذهِ الجماعةِ »

بمجملِ هذهِ التعاريفِ سنجدُ أحكاما وتسمياتِ فضفاضةً يمكنُ تأويلَ غرضها، تتيحَ فرصُ الاجتهادِ في تفسيرها وضبطُ تطبيقاتها على أرضِ الواقعِ. وهنا مكنَ الخطورةَ. بينما نجدُ في الثقافةِ الإسلاميةِ تعريفا دقيقا وعاما وشاملاً لمفهومِ الإرهابِ وتداولاتهِ في النصوصِ القرآنيةِ التي وردَ ذكرُ الإرهابِ فيها ومشتقاتهِ وتوصيفِ حالاتهِ، وظهرَ ذلكَ جليا بما حددهُ العلماءُ المسلمونَ عندَ اجتماعهمْ في الدورةِ السادسةِ عشرةَ التي عقدتها رابطةُ العالمِ الإسلاميِ في شهرِ ينايرَ 2002: باعتبارَ مصطلحِ الإرهابِ « هوَ العدوانُ الذي يمارسهُ أفرادٌ أوْ جماعاتِ أوْ دولِ بغيٍ على الإنسانِ في دينهِ ، أوْ دمهِ أوْ عرضهِ أوْ عقلهِ ، أوْ مالهِ ، ويشملَ صنوفَ التخويفِ والأذى والتهديدِ ، والقتلُ بغيرِ حقٍ ، وما يتصلُ بصورِ الحرابةِ ، وإخافةُ السبيلِ ، وقطعَ الطريقِ، وكلَ فعلِ منْ أفعالِ العنفِ أوْ التهديدِ تنفيذا لمشروعٍ إجراميٍ فرديٍ أوْ جماعيٍ ، ويهدفَ إلى إلقاءِ الرعبِ بينَ الناسِ أوْ ترويعهمْ بإيذائهمْ أوْ تعريضِ حياتهمْ أوْ حريتهمْ أوْ أمنهمْ للخطرِ، ومنْ صنوفهِ، إلحاقُ الضررِ بالبيئة،ِ أوْ بأحدِ المرافقِ والأملاكِ العامةِ أوْ الخاصةِ »

 

 معايير المصطلح إعلاميا

 

 رغمَ وضوحِ المفاهيمِ الإسلاميةِ للإرهابِ إلا أنَ تعاطيَ وسائلِ الإعلامِ الغربيةِ والتي يهيمنُ عليها المشروعُ الصهيونيُ فكرا وتمويلاً وبعضَ منْ منصاتنا الإعلاميةِ الخاضعةِ لسياسةِ أنظمتها، ما زالتْ تبتعدُ عنْ التعريفِ المعتمدِ في الثقافةِ الإسلاميةِ وتقصدُ تمريرَ تعاريفَ مغلوطةٍ ومفبركةٍ بغيةَ إيقاعِ الوهمِ لدى المتلقي والمستمعِ فهيَ لا تفرقُ بين الإرهابُ وبينَ مفهومِ النضالِ ومقاومةِ الدولِ لتحقيقِ مصيرها منْ الاحتلالِ ذلكَ المفهومِ الذي لا يفرقُ بين:-

 

·     مقاومةُ الشعوبِ ضدَ الدولِ والمجموعاتِ الإرهابيةِ التي تحتلُ بلدانها بقوةِ السلاحِ.

·     الازدواجيةُ في تصنيفِ التعاملِ معَ الأنظمةِ الدكتاتوريةِ والمتسلطةِ، والتباينُ في الاعترافِ بحقِ ثوراتِ شعوبها. إذا لمْ يكنْ هناكَ حلٌ بديلٌ عنْ المقاومةِ.

ومثال صارخٍ على ذلكَ رفضَ هذهِ المنصاتِ الإعلاميةِ الاعترافَ بمشروعيةِ المقاومةِ الفلسطينيةِ ضدَ الاحتلالِ الغاصبِ وصارتْ تسمي نضالَ الشعبِ الفلسطينيِ وتصنفهُ بأنهُ إرهابٌ. وباتتْ هذهِ الوسائلِ الممولةِ بمالٍ صهيونيٍ تعرفَ كلُ أشكالِ مقاومةِ الشعوبِ إرهابا، وحيثُ إنَ أمريكا والدولَ الخاضعةَ والضالعةَ في سياستها تدعمُ هذا التوجهِ دعما مطلقا، فإنها تصنفُ كلَ منْ يعادي هذا الكيانِ أوْ يقاومهُ إرهابيا.

المرفقات

العودة إلى الأعلى