كيفَ نحمي أنفسنا وعائلاتِنا من الابتزازِ الإلكتروني؟

: حنان الزيرجاوي 2024-02-28 08:31:56

مع اجتياح التقنيات التواصلية عالمنا ظهرت الكثير من الجرائم الالكترونية التي تهدد كيان الأسرة والمجتمع فما السبل لمواجهة هذه الجرائم التي يختبئ منفذوها خلف أقنعة التواصل البريء؟ وما الأسباب والدوافع لتلك الجرائم؟ وكيف تكافح من قبل المعنيين؟ تساؤلاتٌ يُجيبُ عنها مجموعةٌ من المُثقفين والمُختصين.

مختص: دوافع الابتزاز مادية وأخرى عاطفية وأغلب ضحاياه فتيات

الأُستاذُ فرزدق محمد عبيد/ المُحقِّقُ القضائي تطرق الى مفهوم الابتزاز الالكتروني ودوافعه بالقول "الابتزازُ الإلكتروني: هو عمليةُ تهديدِ شخصٍ ما بنشرِ صورٍ، أو فيديو، أو معلوماتٍ شخصيةٍ وحساسةٍ إذا لم يرضخْ ذلك الشخصُ أو الضحية لطلباتِ المُبتز. ومُعظمُ الطلباتِ تتلخّصُ بــ(دفعِ مبالغَ ماديةٍ، أو القيامِ بأعمالٍ غير مشروعةٍ، أو القيام بأعمالٍ منافيةٍ للأخلاق، أو الإفصاحِ عن معلوماتٍ سريةٍ مؤسساتيةٍ أو سياسيةٍ أو العمل مع العدو)".

  ولفت الى ان "المحاكم العراقية تُسجِّلُ باستمرارٍ العديدَ من دعاوى التهديدِ والابتزازِ الإلكتروني، فيما تُشيرُ الوقائعُ العراقيةُ إلى أنّ حالاتِ الابتزازِ الإلكتروني في تصاعدٍ، وبدأتْ تأخذُ مُعدلاتٍ عاليةٍ، أمّا دوافعُها فبحسبِ ما معروضٌ أمامَ القضاءِ العراقي عديدةٌ منها ما يحملُ أسبابًا ماديةً، وأُخرى عاطفيةً، كما لوحظَ أيضًا أنّ الجُناةَ ليسوا محليين من الداخلِ فحسب، بل هناك آخرون من جنسياتٍ أخرى ومن دولٍ مختلفة. ولوحِظَ أنّ أغلبَ ضحايا جريمةِ الابتزاز الإلكترونية بالدرجة الأساس هُنّ فتياتٌ جرى الحصولُ على صورِهن الشخصيةِ باستدراجهن أو اختراقِ حساباتِهن على مواقعِ التواصُلِ الاجتماعي".

مختص: جرائمُ الابتزاز ربما تؤدي الى انتحارِ الضحيةِ

    وأشار المحقق القضائي الى أساليب الابتزاز قائلاً "إنّ أساليبَ الابتزاز الإلكتروني في الغالبِ تبدأُ بالعلاقةِ بينَ طرفي الابتزاز عن طريقِ الثقةِ الوهميةِ المُتبادلة، والوعودِ الكاذبةِ، ومن ثم تتطوّرُ حتى يكونَ باستطاعةِ المُبتزِ الحصول على بعضِ أسرارِ ضحيتهِ ويحتفظ بها وبعدَها تبدأُ عمليةُ المُساومةِ والابتزازِ. ومن أمثلةِ ذلك تعرّضُ فتاةٍ للابتزازِ بعد حصولِ الجاني على صورِها الشخصيةِ من خلالِ ادعائه من حسابٍ وهمي بأنّه يُريدُ الزواجَ بها، وسيتقدّمُ لخِطبتِها وقد وقعتْ في الفخِّ وبدأ بابتزازها".

وذهب الى أنّ "تلك الجرائمَ تُهدِّدُ النسيجَ الأُسري أو المُجتمع بكاملِه، وينتجُ عنها انفصالٌ الأزواجِ. ولوحظَ من خلالِ عملِنا القضائي أنّ العديدَ من الفتياتِ لديهن خشيةٌ من تقديمِ شكوى لدى المحاكمِ ؛ خوفًا من نظرةِ المُجتمعِ إليهن، ولربما أدّت تلك الجرائمُ إلى انتحارِ الضحيةِ. كما لوحظ أنّ جرائمَ الابتزازِ الإلكتروني أيضًا تطالُ المُترفين والشخصياتِ المعروفة بدافعِ الاستغلال المالي، وأنّ المُحتالين غالبًا ما يستخدمون هُنا برنامجَ التعديلِ الصوري أو ما يُسمّى بالفوتوشوب لغرضِ تركيبِ وجوهِ الضحايا على مشاهدَ فاضحة".

   وعن إجراءاتِ المحاكمِ ووسائلِ إثباتِ هذه الجرائم ذكر المحقق القضائي بأنّ "المحكمةَ تنظرُ إلى كُلِّ واقعةٍ بحسبِ وصفِها القانوني، فقد تكونُ الجريمةُ الإلكترونيةُ التي اُرتُكِبت جريمةَ نصبٍ واحتيالٍ، أو قد تكونُ جريمةَ تهديدٍ أو تشهيرٍ، وكُلٌّ من هذه الجرائمِ وغيرها لها عقوبتها بحسبِ قانونِ العقوباتِ العراقي النافذ. وهناك صعوبةٌ تكتنفُ إثباتَ الجريمةِ بسببِ سهولةِ عملِ حسابِ الفيس بوك، وإمكانيةِ عملِ حسابٍ وهمي، وأودُّ أنْ أُشيرَ إلى أنّ التطوّرَ المعرفي الحاصل، يستلزمُ بالضرورةِ وضعَ نصوصٍ قانونيةٍ واضحةٍ وصريحةٍ لمعالجةِ هذه الجريمة وغيرِها من الجرائمِ المعلوماتية التي ظهرتْ بفعلِ التطوّرِ، إذ إن المُشرّع العراقي لم يُعرِّفْ جريمةَ الابتزازِ الإلكتروني كجريمةٍ مستقلةٍ بذاتِها، لكن من خلالِ تحليلِ النصوص المتعلقةِ بجريمةِ التهديدِ نُلاحِظُ إمكانيةَ تطبيقِ هذه النصوصِ على جريمةِ الابتزازِ الإلكتروني متى ما توافرتْ شروطُها. وأرى أنّ جرائمَ الابتزازِ لا تقلُّ بشاعةً عن جرائمِ القتلِ والخطفِ لخطورةِ الابتزاز وانصياعِ الضحية واستجابتها لمطالبِ الجاني.

وتابع حديثه عن مكافحة الابتزاز قائلاً "أرى ضرورةَ تدخُلِ المُشرِّعِ بإضافةِ عقوباتٍ خاصةٍ بالجرائمِ الإلكترونيةِ أو القيامِ بسنِّ نصوصٍ خاصةٍ بذلك؛ لمنعِ المجرمين من الإفلاتِ من العقابِ، ومنعِ التوسُعِ في تفسيرِ النصوصِ القانونيةِ، وحمايةِ مصالحِ الأفرادِ، أو الإسراعِ بإقرارِ مسودةِ قانونِ جرائمِ المعلوماتية في العراق؛ لما له من دورٍ في تعريفِ مُستخدمي الوسائل الإلكترونية، ويتمُّ من خلاله تحديدُ الجرائمِ المعلوماتيةِ والعقوباتِ المُقرّرةِ لكُلٍّ منها، وهذا يؤدي إلى المساعدةِ على تحقيقِ الأمنِ المعلوماتي، وكذلك حماية الأخلاق والآداب العامة. ويجبُ إنشاءُ جهازٍ خاصّ بالتعامُلِ مع هذه الجرائم، وإدخالِهم بدوراتٍ تدريبيةٍ، ويكونُ عملُهم بالتنسيقِ مع القضاءِ العراقي. وعلى الجهاتِ ذات العلاقة لاسيما المسؤولة عن الوعي الثقافي والتربوي شرحُ خطورةِ هذه الحالات، وأنْ يُحصِّنَ الجميعُ نفسَه على مُختلفِ الأصعدةِ من جميعِ الخروق الإلكترونية".

    وختم المحقق القضائي حديثه عن معالجة الابتزاز بجملة من الارشادات:

  1ـ عدمُ قبولِ الصداقاتِ المُرسلة من قبل أشخاصٍ غير معروفين

2ـ عدمُ الردِّ على مُحادثاتٍ تردُ من مصادرَ غيرِ معروفة.

3 ـ تجنُبُ مُشاركة المعلومات الشخصية مع الأصدقاء في عالم الإنترنت. 

4 ـ عدمُ الموافقةِ على إجراءِ مكالماتٍ فيديوية مع آخرين غير موثوقين.

    وفي حالِ التعرُّضِ لعمليةِ الابتزازِ فعلًا فيجبُ على الضحيةِ: 

1 ـ رفضُ التواصُلِ مع الشخصِ المُبتز إلا بعدَ إخبارِ الجهاتِ المُختصة وأخذِ التوجيهاتِ منها بالتواصُل.

2ـ عدمُ تحويلِ أيّةِ مبالغ ماديةٍ للمُبتز. 

3 ـ تجنُبُ المُشاداتِ مع المُبتزِ وعدم تهديدِه بالشرطة بشكلٍ مباشر.

مختصة: ننصحُ من وقعَ في شِراكِ المُبتزين بالإسراعِ بتبليغِ الجهاتِ الرسميةِ

الدكتورةُ تغريد حيدر/ الاختصاصية النفسية من لبنان أدلت برأيها بصدد الموضوع قائلة "زادتْ نسبةُ جرائمِ الابتزازِ في الآونةِ الأخيرةِ لا سيما بعدَ "الانفتاح" الناتج عن الثورةِ في مجالِ التكنولوجيا وتقنياتِ التواصُلِ الاجتماعي، وتُعدُّ النساءُ من أكثرِ الفئاتِ المُجتمعيةِ عرضةً للابتزازِ ومعظمُ ضحاياه من المُراهقين الذين يكونون عادةً أقلَّ حذرًا في سعيهم لتكوينِ علاقاتٍ اجتماعيةٍ جديدة".

وحذرت المختصة في علم النفس من تداعيات الابتزاز النفسية بالقول "للابتزازِ  الإلكتروني آثارٌ كارثيةٌ منها: القلقُ، والخوفُ، وفقدانُ الشهية وقلةُ النوم فضلًا عن العزلةِ والانسحابِ الاجتماعي؛ ولذلك ننصحُ كُلَّ من وقعَ في شِراكِ المُبتزين بالإسراعِ بتبليغِ الجهاتِ الرسميةِ في سبيلِ الحدِّ من هذه الظاهرةِ وتوفيرِ الحمايةِ لضحايا مُحتملين في المُستقبل".

باحثة: ينبغي التوعيةِ الأُسريةِ للأفراد و الحفاظِ على خصوصياتهم بعيدًا عن العالمِ الافتراضي

الكاتبةُ والباحثةُ بشرى مهدي بديرة/ دكتوراه دراسات إسلامية/ من سوريا، ترى ان موضوع الابتزاز واسعٌ ومُتشعبٌ، ويعودُ إلى أسبابٍ وأخطاءٍ جسيمةٍ تبدأُ من أهمِّ نقطةٍ ألا وهي نقصُ التوعيةِ داخلَ الأُسرةِ، ثم الدوائر الأكبر، وربما تعودُ الأسبابُ أيضًا إلى استغراقِ البشريةِ في المادياتِ وانجرافِها في تيارِ الحداثة، وفي بعضِ الحالاتِ يكونُ الخطأُ من الشخصِ ذاتهِ الذي وقعَ ضحيةً حيثُ يقومُ بتقديمِ المعلوماتِ لأشخاصٍ غير موثوقين؛ بسببِ الجهلِ أحيانًا، وعدمِ تقديرِ ما يُمكِنُ أنْ تؤولَ إليه الأمورُ، أو لثقتهِ المطلقةِ الخالية من أيةِ مسؤوليةٍ اعتمادًا منه على ما يظهرونه له؛ وذلك يعودُ إلى نقصِ الوعي حيثُ يظنُّ البعضُ أنَّ العالمَ الافتراضي عالمٌ يتصفُ بالكمالِ والمثاليةِ في حين أنّه عالمٌ برّاقٌ خادعٌ، وتبقى الفكرةُ لدى البعضِ أنّه مجردُ عالمٍ افتراضي لا واقعَ له ، ثم يُدرِكُ بعدَ فواتِ الأوان أنَّ خلفَ هذه الشاشات عصاباتٍ منظمةً تهدفُ إلى الابتزازِ والضغطِ على الضحيةِ الذي يكونُ قد وقعَ في فخِّ الاحتيال".

 وتابعت قولها "ان من أكثرِ أساليبِ الابتزاز شيوعاً هو اختراقُ الحساباتِ الخاصّةِ على وسائلِ التواصُلِ الاجتماعي والوصولُ الى البياناتِ الشخصيّةِ للشخصِ المُستهدفِ، ومن ثم الحصول على كُلِّ ما يحتفظُ به من معلوماتٍ خاصةٍ، أو ربما استعادةُ كُلِّ معلوماتهِ بطريقةٍ أُخرى؛ وذلك عندَ بيعِ هاتفهِ الخاصّ حيثُ يقومُ الجاني بابتزازِه، الأمرُ الذي يجعلُ الضحيةَ بموقعِ خوفٍ ورعبٍ فيبدأُ بتقديمِ التنازلاتِ لخوفهِ من خصمه. وأحيانًا يكونُ حجمُ التهديدِ كبيرًا جدًا يدفعُ الضحيةَ إلى الانتحارِ مثلًا أو تلبيةِ كُلِّ مُتطلباتِ المُجرمِ التي إنْ بدأتْ فلن تنتهي وهُنا لا بُدّ من التوعيةِ الكافيةِ بخصوصِ هذه الأمور من خلالِ اتباعِ جملةٍ من الخطوات، لاسيما إنّ العديدَ من الدولِ وضمنَ نطاقِ تطورِ تكنولوجيا المعلومات عمدتْ إلى حمايةِ مُستخدميها وضمنتْ لهم حقوقَهم في الحفاظِ على الخصوصية. فإدارةُ الجرائمِ الإلكترونيةِ تُحاسِبُ وتُعاقِبُ الجاني وتمنعُه من التعدّي على خصوصياتِ الغير".

   ونوّهت الباحثة الى كيفية مواجهة المبتز بالقول "من يتعرّضُ للابتزازِ فإن عليه التحلّي بالثباتِ وعدمِ الانجرارِ إلى الخوفِ ثم تقديم التنازلاتِ مقابلَ منعِ الضحيةِ من عمليةِ الابتزاز. بل لا بُدّ أنْ يشعرَ الجاني بقوةِ خصمهِ وتماسكهِ وأنّه ليس لُقمةً سائغةً؛ فيقوم بالاستعانةِ بأحدِ المُقرّبين، وتقديم شكوى لإدارةِ الجرائمِ الإلكترونيةِ مستندةً إلى أدلةِ إثباتِ مُحاولةِ الابتزازِ من رسائلَ واتصالاتٍ وتسجيلاتٍ صوتيةٍ وأدلةٍ تُدينُ الجاني؛ وذلك من خلال التعامُلِ معه بهدوءٍ للحصولِ على ما يُدينه وما يُثبِتُ تهديدَه ثم القيام بحظرهِ؛ ليشعرَ بأنّه لا يُشكِّلُ تهديدًا له، ومهما كانَ حجمُ التهديدِ فعليه ألّا ينصاعَ لأوامره لإيقافِ المجرم عندَ حدِّه؛ كيلا تتفاقمَ عملياتُ الاحتيالِ وليعرفِ الجاني أنّ هنالك قانونًا يمنعه من التعدّي على خصوصياتِ الغير، ولتفادي كُلِّ هذه الأمور لا بُدَّ من التوعيةِ الأُسريةِ السابقةِ؛ ليبقى الأفرادُ بمنأى عن هذه الأخطار بالحفاظِ على خصوصياتهم بعيدًا عن العالمِ الافتراضي، وعدمِ إعطاءِ هذه الوسائل أكثرَ من حجمِها، والتعاملِ معها على أنّها وسائلُ لها غايةٌ مُحدّدةٌ لا تتجاوزها، وعدم السماح لها بالاندماجِ مع الأفرادِ لدرجةِ أنّها تُصبِحُ جزءًا لا يتجزّأ من حياتِهم وتفاصيلِها".

   الباحثُ السياسي أمير الإبراهيمي أوصى في حديثه عن كيفية التعاطي مع عمليات الابتزاز باتخاذ مجموعة من الاجراءات وهي: جعلُ الأمرِ طي الكِتمانِ والسِريةِ. الإسراعُ في تقديمِ الشكوى لدى الجهاتِ المُختصةِ أو الاتصالِ على الرقم (١٣١) التابع لجهازِ الأمنِ الوطني الذي يمتلكُ خِبراتٍ وأجهزةٍ للتعامُلِ مع المُبتزين والقبضِ عليهم. وعدمُ الانصياعِ وراءَ أهدافِ الشخصِ الذي يُهدِّدُنا عبرَ مواقعِ التواصُلِ الاجتماعي، والعملُ على كسبِ الوقتِ والمُماطلةِ؛ لفسحِ المجالِ أمامَ الجهاتِ الأمنيةِ لكشفه. التحلّي بالصبرِ والشجاعةِ في جميعِ المواقفِ التي تواجهُنا، لاسيما تلك التي يهدفُ إليها الشخصُ المُبتزُ".


العودة إلى الأعلى