"أمّة تقرأ": رؤية نهضوية للعتبة الحسينية المقدسة لبناء مجتمع مبدع وراق

أطلق ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي يوم الاربعاء 21/2/2024م المسابقة الوطنية الكبرى للقراءة، جاء ذلك عبر كلمة مركزة أبان فيها عن أهداف هذه المبادرة كما عن بعض ثمراتها على صعيد الفرد والمجتمع من خلال نقاط عشر مضيئة وموجِّهة يمكن العودة إليها عبر مشاهدة الفيديو أو من خلال التقارير التي غطت إطلاق سماحته لهذه المباردة الوطنية الكبرى في تعاون مع وزارة التربية ( وأنصح بالعودة إليها).


ما أود التركيز عليه هنا، هو الجانب الرؤيوي الكامن خلف المسابقة الوطنية للقراءة تحت شعار " أمة تقرأ"، فالمبادرة لا يمكن النظر إليها كمجرد مسابقة يحكمها التنافس ويظفر فيها الثلاثة الأوائل بجوائز مجزية، كما أنها ليست مجرد فعالية ثقافية تقليدية دأبت العتبة الحسينية المقدسة على الإهتمام بها على صُعد مختلفة، بل إننا أمام رؤية طموحة ومسلك تنموي ترسي عليه العتبة الحسينية المقدسة مشروعها الإستنهاضي بالعراق ليستعيد دوره الحضاري وموقعه الثقافي المشع إقليميا وعالميا.

فمبادرة "أمة تقرأ" وإن كانت تقع ضمن التوجه الثقافي العام للعتبة الحسينية المقدسة كما في تنظيم معارض الكتاب والمشاركة فيها، ورعاية الثقافة القرآنية ونشرها، ودعم أدب الطفل والإرتقاء به صنفا أدبيا يسد احتياجات الطفل تربويا وتعليميا، إلى غير ذلك من الفعاليات الثقافية..إلا أنها كمبادرة في التأسيس لثقافة القراءة في المجتمع، تعد لبنة أساس للنهوض بالعراق ومبتدأ قوس الصعود بالمجتمع نحو النهضة والتقدم والتميز الحضاري الذي يليق بماضيه وتاريخه. 

فالعناصر العشرة التي استعرضها سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في تقديمه للمسابقة الوطنية للقراءة هي تكثيف لسر النهضة وكشف عن المفاعيل الهائلة لفعل القراءة على صعيد الفرد - الذي تعتبره نظريات التنمية بإجماع أسّ كل تنمية وعمادها الأساس- كما وبالنتيجة، على صعيد المجتمع عبر سياق تفاعلي مستدام.

 فالقراءة وإذ تساهم في تشكيل هوية الفرد وفهمه لوجوده في العالم وتمايزه عن الآخر المختلف. فإن سيرورة القراءة طقسا مجتمعيا ترقى به إلى مجتمع مبدع وراق ومتسامح ومسؤول بالمعنى الحضاري للكلمة، مجتمع يخلع عنه جلباب التخلف والجهل والدعة فيترقى في سلم الحضارة ويتحول إلى قاطرة دفع لغيره من المجتمعات. وهذه المعاني يمكن التقاطها بوضوح من كلمة سماحته الإفتتاحية.

كثيرا ما تؤكد العتبة الحسينية المقدسة على أنها لا تقوم مقام الحكومة وليست بديلا عنها، بل هي هيئة دينية أهلية تتعاون وتتكامل مع الأداء الحكومي كما تبادر لتسد نقصا أو فراغات هنا أو هناك قياما بالواجب وسبقا إلى المبادرة التي هي محرك العمل الأهلي، نؤكد على هذا المعطى للقول بأننا لسنا أمام مؤسسة خدمية وفقط تسدي خدمات للمجتمع وتسهم ثقافيا في مصالحته مع ذاته، بل أمام عتبة حسينية مباركة بطموحات وتطلعات نهضوية كبرى تنشد كمال المجتمع العراقي بقدر ما هي مهجوسة بالتحديات التي تواجه عالمنا المعاصر. 

فحسْبُ العتبة الحسينية المقدسة رفع شعار "أمة تقرإ" وتحملها مسؤولية التحفيز على القراءة والتشجيع عليها، والباقي يقع على مهام الوزارات ذات الصلة وعلى مسؤولية المجتمع في التفاعل والتجاوب.

فأمة تقرأ تحقق انتسابها الفعلي لمحمد وعلي وترقى في كمالها إلى بعض الكمالات التي خطها لنا النهج الحسيني.

العودة إلى الأعلى