الهوس الاجتماعي (ثقافة القطيع) وتأثيره على شخصية الفرد؟
يبدو أن العولمة الغربية قد عرفت كيف تتخطى عقبات الدين والأعراف والتقاليد العربية لتنشر بين صفوف مجتمعاتنا شذوذها وأفكارها الانحرافية المختلفة وبخاصة بين فئات الشباب الذي أصبح فريسة سهلة لتلك الأفكار الهدامة لأسباب عدة بعضها عائد الى الشباب أنفسهم وبعضها الى الظروف والمناخ العام الذي تعيشه شعوبهم واوطانهم. وفي سؤال تم طرحه على عدد من المعنيين بدراسة المجتمعات وما تتعرض له من هجمات بقصد التغيير، مفاده ، ما مدى تأثير ثقافة القطيع (الهوس الاجتماعي) على الفرد والمجتمع؟ لأن المجتمعات العربية أصبحت بعالم واحد فلا عادات ولاتقاليد تحكمهم إلا القليل منهم فقد بات الأغلب ينحدر مع كل ماهب ودب من ثقافات غربية دخيلة على واقعنا وديننا، فقد ارتأيت أن أطرح سؤالًا على بعض الشخصيات المثقفة والتي تمتلك حس عالي ومسؤلية تجاه المجتمع، إضافة إلى الرؤية السديدة للواقع.
الثقافات الهجينة تبدل القيم الأخلاقية والعادات والفطرة السوية السليمة للفرد وللمجتمع
وكانت المحطة الأولى عند الأستاذ الجامعي عبدالله المتخصص باللغة العربية من كركوك، فقال" إن الفرد "وهنا اقصد البعض" الذي يتأثر بهذهِ الثقافات الهجينة تتبدل لديه القيم الأخلاقية والعادات وحتى الفطرة السوية السليمة للفرد وللمجتمع وحصرًا لدى الأسرة الإسلامية بسبب الأفكار الشاذة التي قد أثرت على كاهل الفرد العراقي كونه شخص ليس معتادا على هكذا نوع من الثقافات فصار عنده الباطل حقا والحق باطلا..
وأضاف" ليت الناس تدرك أن لا حياة بعيدا عن شرع الله وفهم الأولين وليس الحداثيين والنظر إلى الأولين أمثال الإمام علي (عليه السلام) وغيره من آل بيت الرسول (صلى الله عليه وعليهم) لفكرهم وحكمتهم".
وأكد أن" النظر للزمن الماضي ضروري لمعرفة مدى الاستقرار والبركة وحالة الرضا والسعادة التي كان يعيشها السابقون رغم الحروب في تلك الأزمنة بسبب الفطرة السليمة".
أما عن المحتوى الهابط وسمومه فقال أن" المحتوى الذي يقدمه صنّاع التفاهة والسخافة والذي لا يمثل ثقافة البيئة التي نعيش فيها، أصبح مع الأسف الشديد يؤثر على عقول الناس وعلى العادات والأعراف الاجتماعية التي تَربينا عليها، وبعض الحداثة أو التكلنوجيا تم تسويقها للمجتمع تدريجياً وإدخالها قسراً إلى مشروع الغرب الهدام وعولمة ثقافتهم الدخيلة على مجتمعاتنا والتي جلبت لنا الكوارث الإنسانية والجرائم والانهيارات المجتمعية والتي باتت تلح على المهتمين بهذا الشأن الى البحث عن مصدات لتلك الانحرافات وضرورة تخليص الشباب بشكل خاص والمجتمع عموما من آفاتها وسمومها".
(ثقافة القطيع) تفرض قيودا وضغوطا سلوكية على ذات الفرد
وتطرقت الأُستاذة والكاتبة "إيمان صاحب الخالدي" في جوابها الى اهمية دور العقل فقالت" أن القيام بسلوك أو فعل غير منطقي وغير مبرر لمجرد قيام الآخرين به لا شك أنه يعتبر بحد ذاته إلغاء لدور العقل في اتخاذ قراراته ، وهو الدور الذي إمتازت به البشرية عن سائر الحيوانات ولذلك شبه هذا الأسلوب بالحيوانات في قطعانها (ثقافة القطيع)" مؤكدة أن" أن التأثر بسلوك هذهِ الجماعة يفرض قيودا وضغوطا سلوكية على ذات الفرد مما يجعلها عاجزة عن القيام بواجبها الشرعي والأخلاقي والإنساني في ردع السلوك المنحرف كالرفض القاطع له والنهي عن المنكر وعدم تأييده بأي شكل من الأشكال لما لها من عواقب سيئة على أعمال الإنسان سواء كانت بالدنيا أو بالآخرة " مشيرة الى ان"خير مثال على ما تقدم بشمولية العذاب ما وقع لقوم النبي صالح (عليه السلام) مع أن عاقر الناقة شخص واحد ولكن القرآن الكريم عَبرَ عن المذنب بصيغة الجمع في سورة الشمس آية ١٤ (.... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا)، وذلك لأنهم إتبعوه في الرأي ورضوا بفعله، وكانت هذه واحدة من صور ثقافة القطيع".
وأضافت الخالدي أن" الطاعة والانقياد دون معرفة الصواب من الخطأ يكون أداة تنفيذية لمصالح ومنافع الجماعة التي يطمحون بتحقيقها من خلاله وغالباً ما يحدث هذا في الأمور السياسية تحت عناوين براقة ظاهرها تحقيق أهداف الفرد وبذل الدعم المادي والمعنوي له. وبالنتيجة لا يحصل على شيء سوى انعدام ثقة المحيطين به وخسارة مكانته في أعينهم".
تعمد حجب الأشياء الجميلة
وكانت المحطة الثالثة لهذا الاستطلاع عند الأستاذ الشاعر "إحسان الزيادي" فكان رأيهُ أن"
الانجرار له تأثير كبير على شخصية الفرد ومحيطه لأن بعض خياراتهم مهما بدت لهم ذاتية إلا أنها تمس نطاق غيرهم وأحيانًا يتعمدون إبقاء الفرد في الماضي السيء لحجب أشياء جميلة موجودة في الحاضر، ونحنُ مُجتمع تسودنا لغة السماع أكثر من القراءة الفكرية الواعية لما نسمع، وهذا جعل الكثير منا يتفكك نفسيًا وذاتيًا وبذلك كان التأثير على العائلة بشكل كبير.
اتباع القطيع لا إراديا غير صائب
أما الكاتبة "فاطمة الجنابي" فقد أشارت الى " إننا كأفراد وهبنا الله تعالى القدرة على التفكير النقدي واتخاذ القرارات بناءً على قيمنا ومعتقداتنا، في حين أنه من الصحيح أن التأثير الاجتماعي يجرف الفرد إلى مستوى منخفض في بعض الأحيان ويمكن أن تتشكل سلوكياتنا وشخصياتنا بها ، إلا أن هذا لا يعني أننا يجب أن نتبع القطيع بشكل لا إرادي ولهذا ميزنا الله بالعقل لفرز السلب والإيجاب بعضها عن البعض وأن لا نكون فرائس سهلة لذئاب الشر والجريمة والانحلال، فنؤذي أنفسنا من حيث لا ندري..
وفي الختام تبقى الرؤية للإنسان الواعي والمثقف بحق، وهو ما اتفق عليه الأغلب بأن الثقافات الدخيلة مضرة على الفرد نفسه وقد تؤدي إلى عدم الثقة بالنفس واتخاذ القرارات الخاطئة أو غير المدروسة بسهولة.