فتوى العراق الموحد الآمن
تحقيق: امير الموسوي
ايام مباركة نستذكر بها فتوى تأريخية بعامها التاسع الا وهي فتوى الدفاع الكفائي التي وصفت بانها الفتوى المباركة الخالدة التي حفظت للعراق العرض والارض والمقدسات وجسدت اروع الملاحم البطولية في دفاع الشعب بكل الوانه واطيافه عن ارضهم ومقدساتهم بهمة البواسل استجابة لنداء المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله"
رؤية المرجعية
بعد صدور الفتوى تساءل الكثيرون عن نظرة المرجعية للأمر, كما ظهرت تساؤلات اخرى عن نظرة سماحتهِ لأطياف العراق المختلفة؟
وفي معرض البحث عن إجابة لهذه التساؤلات كان من الضروري الوصول الى المطلعين واللقاء مع الشيخ خليل العلياوي من حوزة النجف الاشرف فقال ان "المرجعية صاحبة تلك الفتوى كما تعلمون كانت ولا زالت الحصن المنيع والصمام الامين لجميع العراقيين دون استثناء وافعالها خير شاهد على ذلك من خلال رعايتها الأبوية وسعيها لحقن وحفظ دماء جميع العراقيين بدون استثناء" مضيفا أن " المرجعية لم تكتف بذلك بل سعت الى دعم النازحين والعوائل المهجرة في تلك الايام وان ما تقوم به العتبة الحسينية المقدسة من مؤتمرات تدعو الى السلم والى الوحدة ونبذ التفرقة ورص الصفوف ما هي الا ترجمة لما تريده المرجعية".
وعن ما أثاره ويثيره المغرضون أكد ان " الفتوى فوتت الفرصة على المغرضين الذين لا يريدون الخير للعراق وهذا ما جاء على لسان المتولي الشرعي للعتبة الحسينية حينما ذكر نصوصا متعددة من كلام المرجع الاعلى حيث ذكر أن المرجعية تؤكد على جميع العراقيين بما فيهم المسؤولين في الحكومة باحترام حقوق البشرية والتعامل مع المواطنين من جميع الاديان والمذاهب من دون تميز".
وتابع حديثه قائلا أن " سماحة المتولي نقل وصية اخرى على لسان سماحة السيد السيستاني يوصي بالاهتمام بالعدالة و بمبادئ التعايش السلمي ورفض اي امر يحث على استفزاز الاخرين ووصية اخرى بالتعايش مع اصحاب الديانات الاخرى باحترام وسلام وكل طرف يحترم الطرف الآخر بعيدا عن العنف والتطرف" مشيرا الى أن" تلك الكلمات اضافة الى الجانب العملي الذي حصل من المرجعية كان له الاثر الكبير في نفوس كل ابناء البلد سواء المسلمين او غير المسلمين من المسيحين والايزيدين".
انطباعات الايزيدية
الطائفة الايزيدية تعرضت الى ظلم داعش بشكل مروع لم تنس موقف المرجعية العليا في الدفاع عنها في تلك المرحلة السوداء من تاريخ العراق الحديث، وكانت لهم مواقف واضحة ومعلنة منها.
وقد تطرق الشيخ العلياوي الى أحد تلك المواقف فقال" انا بنفسي التقيت بالمرجع الأعلى للامة الايزيدية الامير نايف بن داود فحملني رسالة لسماحة المرجع في وقتها مضمونها (اننا لم نلمس من موقف في الدفاع عنا على مر التاريخ مثل ما وقفت المرجعية الدينية العليا خلال احتلال داعش، وكيف لنا ان ننسى تلك الكلمة التاريخية التي اطلقها سماحة المرجع الديني الاعلى حينما قال الايزيديين امانة في اعناقنا، الى ان يصل الامير بكلامه في الختام الى قوله "نلتمس من سماحته ان يقبلنا كأحد ابنائه بعدما شملنا بعطفه ورعايته في اصعب المواقف التي مرت على المجتمع الايزيدي في التاريخ وهذا احد الشواهد)".
وختم الشيخ حديثه برسالة وجهها للعصابات الاجرامية قال فيها " بهذه المناسبة اود القول لأولئك الذين تفرغوا من محتوى الإنسانية بأنكم كلما قتلتمونا فإننا نزداد وعيا ولا نرجع للطائفية المقيتة لان هويتنا هي العراق، نعم ربما كنا نختلف في الدين او المذهب او القومية الا اننا لا نختلف في الوطنية التي هي العراق لأننا روينا العراق من نهر ثالث اسمه دم العراقيين حيث سالت دماء الشرفاء من مختلف ابناء هذا الوطن".
وفي الصدد ذاته تحدث الناطق الرسمي باسم المرجع الاعلى للامة الايزيدية الباحث خلدون سالم النيساني عن انطباعاتهم عن الفتوى قائلا" ان مواقف المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف لا تعد ولا تحصى في الحفاظ على وحدة العراق وسيادته كما انها رسخت التعايش السلمي بين جميع مكونات العراق واديانه" مشيرا الى ان" المرجعية الدينية كانت وما زالت تقف على مسافة واحدة من الجميع وهي الضامن لحقوق كافة المكونات".
كما أكد في حديثه ان "المرجعية الدينية العليا عملت باستمرار على لم شمل مكونات العراق ونشر روح المحبة والتعاون والتعايش السلمي بين هذه المكونات من خلال عقد المؤتمرات بين النخب الدينية والمجتمعية والعشائرية لتقريب وجهات النظر او دحض خطابات الكراهية التي سعت عصابات داعش الى بثها بين هذه المكونات لتخريب وتفريق النسيج العراقي الجميل وحقيقة انا شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات الحوارية".
فتوى الامن والامان
وعلى صعيد متصل بين الباحث النيساني دور الفتوى التاريخية الخالدة في اعادة السلم المجتمعي قائلا ان "الفتوى التي استجاب لها كافة ابناء الشعب العراقي كان لها دور كبير في تحرير الارض والحفاظ على وحدة العراق، مشيرا الى أن الطائفة الايزيدية" لا تنسى الدور الكبير الذي قامت به المرجعية بعد التحرير من دعم لوجستي ومعنوي للنازحين بصورة مستمرة وكايزيديين كان لفتوى الجهاد الكفائي دور كبير في تحرير مناطقنا مع ابنائنا من دنس عصابات داعش الاجرامية ".
جزءٌ من رد الجميل
وهذا الموقف الانساني والابوي من قبل سماحة المرجع للدفاع عن الايزيديين دفع الباحث النيساني الى إهداء كتابه الذي وثق من خلاله جرائم الابادة الجماعية ضد المجتمع الايزيدي، وفي هذا الشأن قال" ان كتابي حمل عنوان "جرائم الإبادة الجماعية.. الايزيديون أنموذجاً" وثق جرائم داعش الارهابي ضد المجتمع الايزيدي وقد اهديته الى سماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني دام ظله واعتبره اقل واجب اتجاه هذه الشخصية الدينية الكبيرة التي اصدرت فتوى هي الاولى في تحريم قتل الايزيديين في قبالة العشرات من الفتاوى التي تحلل قتل الايزيديين وسبي نسائهم".
واشار الى ان " من الواجب الانساني والاخلاقي ان اقدم هذا الجهد المتواضع الى سماحة السيد المرجع وهذا نص الاهداء في الكتاب "الى صاحب الموقف الانساني النبيل الذي سيبقى خالدا في ضمائر الايزيديين , سماحة المرجع الاعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) الذي وقف مع الإيزيدين في محنتهم منذ اليوم الاول للإبادة الجماعية عام 2014, مبينا أن " فتوى سماحته تعتبر الاولى في التاريخ تنصف الايزيديين وتحرم قتلهم, ولا ننسى أقوال سماحته (الايزيديين امانة في اعناقنا ولا تقصروا عنهم ابدا) (والمختطفات الأيزيديات اخواتنا وبناتنا وعزنا وشرفنا وهن شرف لكل عراقي شريف وغيور).... (الله الله بأخوتكم الايزيديين)".
البعد الاعلامي للفتوى
وبطبيعة الحال فإن لكل أمر ابعاداً متعددة منها البعد الاعلامي الذي صار يعد في عالم اليوم ركيزة اساسية في تحقيق الاهداف المرجوة لكل قضية ولا تكاد تكون الفتوى في معزل عن هذا.
وقد بين الأستاذ الدكتور ايثار العبيدي عميد كلية الاعلام في الجامعة العراقية المضامين والرسائل التي حملتها الفتوى فضلا عن دورها في تحقيق النصر على داعش فقال" تعد فتوى الدفاع الكفائي بما تضمنته من رسائل ومضامين موجهة الى جمهور عام درسا إعلاميا بليغا ومتفردا كونها خاطبت جمهورا عاما ومتنوعا، وحققت أعلى درجة من التفاعل كما حققت استجابة شعبية ربما تعجز اكبر المؤسسات والرسائل الإعلامية عن تحقيقها ، مشيرا الى أن" سر تفردها يكمن في ان المضامين الاعلامية هي رسائل موجهة من القائم بالاتصال الى المستقبلين ، وربما لا تجد الكثير من الرسائل الإعلامية صداها بسبب اختلاف طبيعة وذائقة الجمهور الذي قد يرفض او يعارض او لا يستجيب لمضمونها طالما انها لا تحقق أهدافه او لضعف الحجج الإقناعية للقائم بالاتصال".
مقومات ومهددات السلم المجتمعي
واستطرد العبيدي الحديث عن مهددات السلم قائلا أن" من أبرز مهددات السلم المجتمعي عدم تحقيق العدالة الاجتماعية ، وتقييد حرية الرأي والتفكير ، وعدم سيادة القانون ، وغياب المحاسبة الشفافة العادلة، وعدم قبول الآخر الذي خلقه الله لندرك نحن مكانتنا وحجمنا وبالتالي ندرك أين نحن من الآخر، موضحا أن" هذه المطلقات يمكننا من خلالها ادراك ضرورة بناء مقومات للسلم الاجتماعي تتحقق عن طريقها دولة عادلة وحكم رشيد ووعي شعبي بدور الفرد في بناء وطنه والحفاظ على مكتسباته" .
بين الفتوى وما قبلها
ولا يكاد يوجد شخص ينكر ان الفتوى المباركة لم تحقق النصر على داعش وحسب بل انها غيرت كثيرا في المزاج العام للعراقيين وأعادت لحمتهم الوطنية الى ما كانت اليه قبيل التطورات السياسية لما بعد حكم الطاغية.
وفي هذا الشأن يستعرض الناطق باسم مجلس علماء الرباط المحمدي الشيخ كامل الفهداوي دور الفتوى في ذلك قائلاً "اذا حاولنا وبمقارنة بسيطة وضع العراق في الشهر السادس 2014 وبين الشهر السادس 2017 نفهم ان هناك متغيرا غير المعادلة ففي 2014 تم انهيار الموصل وتكريت والانبار والكلام صار عن وصول المواجهة على اسوار بغداد وانهيار المعنويات وهناك خطاب طائفي يزكم الانوف وتهديد بين الطوائف وقدوم عصابات من كل العالم لتحتل مدن العراق ".
واكمل حديثه قائلا "اضافة الى وجود حملة شعواء ضد الجيش والأجهزة الأمنية مما ادى لخروجهم من المناطق في سابقة خطيرة ومذابح سبايكر والبو نمر وقتل الالاف من الشباب بطريقة الإبادة البشرية من هنا جاءت الفتوى وسرت روح جديدة في العراق اوقفت الانسحابات وانبثقت روح معنوية عالية علامتها تدفق عشرات الالاف من المتطوعين والذهاب الى جبهات القتال عند ذلك بدأت المدن تعود واحدة تلو الاخرى وانحسار الخطاب الطائفي في كل المستويات".
و يرى الفهداوي أن "ابناء المدن المحررة كان لها دور في مقاومة داعش مع اخوانهم في الجيش والحشد الشعبي والقوات الأمنية مع اظهار الصورة الحقيقية للعراقيين من خلال اعلام يظهر المهنية في نقل الحدث وقوافل الشهداء التي تبين عظمة العراقيين وبعدهم عن الطائفية فالشباب من الجنوب يقدمون ارواحهم لتحرير اخوتهم في المناطق السنية المنكوبة".
ويؤكد ان "هذه الحروب اذهلت القوى العالمية التي قالت ان العراق يحتاج الى 20 سنة لتحرير اراضيه وعلى العراقيين جميعا أن لا ينسوا هذه الفتوى التي انهت النزوح واعادت الناس لبيوتهم " مؤكدا على أن" الفتوى كانت سببا في اخذ زمام المبادرة لتحرير العراق واعادة كرامة العراقيين وجعلت العراق الان اقوى واكثر تماسكا فالفتوى كانت عراقية واستجاب لها كل العراقيين وهناك الان ما يزيد عن 30,000 سني تابع للحشد الشعبي"، لافتاً ان " كل هذهِ المعطيات تدل على ان الحشد الشعبي منظومة الأمنية لكل العراقيين".
فتوى الاخوة والمحبة
وشدد الفهداوي في ختام حديثه أن الفتوى كانت خير من اعاد الاخوة والمحبة بين ابناء البلد فقال" تبقى هذه الفتوى منارة يهتدي بها السائرون ليس في العراق فحسب وانما في كل العالم لأنها جاءت لنشر الامن والامان في ربوع العراق الذي اريد له ان يتقسم وان يتدمر فجاءت هذه الفتوى المباركة لتحفظ للعراق أمنه وأمانه وتراثه وتماسكه ووحدته" مشيرا أن" هذه الفتوى العراقية الأصيلة علينا ان نعتز بها كونها أعادت العراق الى مكانته الحقيقية موحدا يؤمن بالتعدد ويجلُّ العلم والعلماء ونسال الله عز وجل ان يديم علينا الامن والامان ببركه هذه الفتوى وان نبقى جميعا حريصين على أمن وكرامة هذا البلد".