الخلافة والاستخلاف

كاتب : يحيى الفتلاوي 2022-06-05 11:27

 

  المرحوم الحاج صالح الرفيعي

ان الخلافة في المفهوم اللغوي تعني :((النيابة عن الغير من أجل تنفيذ إرادته والقيام بدوره الذي يؤديه أصالة )) والخليفة ( هو النائب والقائم بالدور الموكل اليه نيابة عن غيره) .

وقد جاء في النص القرآني ( يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) سورة ص /26 .

وهذا النص من جملة نصوص قرآنية اخرى يوحي لنا ويصرح بمعنى خلافة الانسان للأرض وان من اهداف هذا الاستخلاف حفظ الحياة والاصلاح في الارض واعمارها وملأُُها بالعمل والعمران وشتى مظاهر المدينة والحضارة فالقران يوضح مسئولية الانسان الخليفة في استعمار الارض واحيائها باستثمار خيراتها من تراب وماء ومعادن ونبات . باستثمار ملتزم بمنهج الخلافة وقوانينها قوانين الحق والعدل التي بشر بها الانبياء .

والقران بخطابه لجعل الخلافة للإنسان ربط ربطا موضوعيا عميقا بين خلافة الانسان في الارض وبين قيام الحكم والسياسة على اساس مبادئ الحق والعدل فجعل الحكم بالحق هدفا من اهداف الخلافة الانسانية في الارض وجانبا من جوانب تحققها .

والانسان حينما يمارس مسؤولية الحكم والسياسة هذه ويتصدى لمهمة التوجيه والقيادة انما يريد ان يحقق ارادة الله العادلة الخيرة، فيكون النائب والوكيل والمستخلف لتنفيذ المهمات وفق المنهج الالهي .

ومفهوم الخلافة يرسي قواعد اساسية لنظرة الاسلام الى الملكية والحيازة والتصرف بالمال والثروة. فحينما يصرح القرآن (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) يرفع يد الناس ويجردهم من التملك الحقيقي ويعتبر الانسان وكيلا ومستخلفا لا يحق له الاستئثار ووضع اليد على المال والثروة واحتكارها وحرمان الاخرين منها. بل يأمره بالتعامل مع هذه الثروة المستخلف عليها وفق نظام الاستخلاف ومنهجه الالهي المشرع القائم على اساس الكفاية والتوزيع العادل من اجل ان يُفهمه انه ليس هو المالك الحقيقي.

وليس من حقه ان يتصرف كيف يشاء بل يجب ان يخضع هذا التصرف للالتزام القانوني الذي حدده له المالك الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى لئلا تطغى عليه النزعة العدوانية الجشعة فيضرب نظام التوزيع وتختفي العدالة الاقتصادية , ويختفي مع هذا التفاوت الطبقي والاستقرار والسلام الاجتماعي .

وهنا لابد ان نعرج على من يقول بان الدين يتعارض مع السياسة فنقول عندما بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هل كانت سياسة منعزلة ودين منعزل انما كان رسول الله (ص) السياسي المحنك الذي كان يقود الاثنين معا بكل حنكة وقدره فهو مبعوث من الله جل وعلا الى عباده في الارض ليحقق العدالة والمساواة ومع مختلف القوميات والديانات الاخرى فالبلدان الاسلامية كان يرأسها الدين الاسلامي وتطبيق الامور الاقتصادية وبيت المال وكافة الامور الادارية والمعيشية عن طريق الولاة الذين يسترشدون بهدى رسول الله (ص) ومن بعده عدل وسياسة امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وما عهده الى مالك الاشتر الا دليلا على الجمع بين السياسة والدين فقال له ( فأعطهم من عفوك وصحفك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصحفه , فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك , والله فوق من ولاك , وقد استكفاك امرهم , وابتلاك بهم , ولا تنصبن نفسك لحرب الله ).

وفي سورة الحديد ( امنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين امنوا منكم وانفقوا لهم اجر كبيرا) .

فهذه الآية تكشف جانبا من جوانب تحقق الخلافة الانسانية في الارض وتصور مفهوما ذا اثر بالغ الاهمية في نشاط الانسان الاجتماعي وهو مفهوم الاسلام عن المال والثروة .

وان ما يدعيه العلمانيون لفصل الدين عن الدولة فهو مفهوم وضع لتحقيق مآربهم والتخطيط لمصالحهم في مجال الاستئثار بالثروة التي وضعها الله للعباد.

ليخلو لهم الجو كما قال الشاعر(خلالك الجو فبيضي واصفري) . لهم التصرف في المال والثروة واستغلال الفقراء والمساكين وليبعدوا تطبيقات الشرع الاسلامي عن مسيرة الانسانية وتحييد الخلافة الاسلامية الحقه التي جعلها الله رحمة للعالمين ونقمة على الظلمة والظالمين. 

 

 

العودة إلى الأعلى