النحو القرآني من المصطلح إلى الإجراء

كاتب : يحيى الفتلاوي 2022-05-08 12:49

    • د. وفاء عبّاس فيّاض

كان النحو ولا يزال عاملا مهماً لفهم القرآن أولا وتوجيه ما روي من قراءات في آياته، ثانيا. وعليه فإن النحو في مجال الدراسات التفسيرية ليس صناعة تتلقى ولا رياضة عقلية بقدر ما هو أساس لتحليل النص وبيان وجوه استعمالات ألفاظه ومظاهر الإعجاز في بيانه، وإنَّ اللغويين الأوّلين من أهل التفسير كانوا يستعملون النحو لهذه الغاية، وجعلوه عمدة بحوث التفسير اللغوي وأبرز الأدوات التي تفهم بها نصوص القرآن.

وعليه فقد اتجهت طائفة من النحويين إلى دراسة القرآن وفهم منهجه عبر النظر النحوي فأخذت تعنى بإعراب القرآن، ثم توسعت في ذلك فتناولت بالدراسة علل التأليف أو علل الإعراب. وكان النحويون القدماء معنيين بالقرآن الكريم ومنهم من كان من القرّاء كأبي عمرو بن العلاء(ت157هـ)، وعلي بن حمزة الكسائي(ت189هـ)، ويحيى بن زياد الفرّاء(ت207هـ). 

ومادام القرآن نزل بالعربية فقد نظر اليه بالمنظار نفسه لكلام العرب، وكان جزءا من شواهدهم، بل محط اهتمام طائفة منهم وكانت اللغة طريقا لتفسيره، ومن هنا كان التقاء أصحاب اللغة والدراسات القرآنية مع أصحاب التفسير.
بل كانت البدايات الأولى للتفسير وللدراسات اللغوية القرآنية موردا مهما في اظهار مدى التفاعل الكبير بين العربية ولغة القرآن عبر مؤلفات معاني القرآن: كمجاز القرآن لأبي عبيدة ومعاني القرآن للفرّاء ومعاني القرآن للأخفش الأوسط ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج. ويبدو أن هذه المؤلفات أسهمت في العصر الحديث في إيجاد منحى خاص من النحو اصطلح عليه بــ(النحو القرآني) الذي نادى به بعض الدارسين المعاصرين تفرقة له عن النحو المألوف، وأضحى منذ مدة اتجاها في الاهتمام بالقرآن الكريم يرصد جوانبه اللغوية التركيبية، وقد أسهمت الدراسات اللغوية القرآنية الحديثة والمعاصرة في مدِّ هذه التوجه بالمزيد حتى أضحى في بعض التسميات نظرية هي ( نظرية النحو القرآني) التي أطلقها د. أحمد مكي الأنصاري التي أوجزها بقوله: (( إنَّ القرآن الكريم قامت على أساسه قواعد وبنيّت على نهجه أصول سواء أكانت معه شواهد أخرى تدعم هذه القواعد أم لم تكن ؟ وأسواء كانت هذه الأصول تتفق مع أصول النحاة أم لا تتفق؟ لأن القرآن الكريم بقراءاته المختلفة أغنى قواعد النحو وزاد من قيمتها وأمدها بأمتن القواعد وأحسن الأساليب ))  
ومعين هذا التوجه يتمثل في مقولة للفراء(ت207هـ):(( إن لغة القرآن أفصح الأساليب العربية على الإطلاق)) وقال أيضا: (( الكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر)). 
ومما ألف في هذا الجانب: كتاب النحو القرآني قواعد وشواهد، الذي اعتمد مؤلفه على شواهد كتاب الله -عز وجلّ- في قضايا النحو المتشعبة ومسائله المتفرقة بدلا من الاعتماد على النصوص الشعرية التي عوّل عليها كثير من النحويين على الرغم مما يعتري نماذج غير قليلة منها من قصور وضعف كتعدد الرواية في النصّ أو جهل القائل أو تعدّد النسبة لأكثر من شاعر، ونحو ذلك... ودرس مسائل النحو في أبوابها المختلفة في ضوء هذه الشواهد القرآنية التي هي معين لا ينضب، ومدد لا ينقطع، وثروة لغوية رائعة، سواء أكانت هذه المسائل موضع اتفاق من قبل النحاة أم لم تكن كذلك، وسواء تفردت هذه الشواهد بتركيباتها الجديدة أم كان معها نصوص أخرى موثقة من الحديث والشعر ونحوهما. ما يعني أن النحو القرآني ههنا هو اتجاه يحاول الاقتصار على الشواهد القرآنية في اثبات قواعد العربية في ظل اعتبارات النظرية النحوية العربية.
ويرى أحد الباحثين أن النحو القرآني يقصد به الأسس والقواعد والأصول التي قامت على اساس القرآن الكريم، وأما نحو القرآن الكريم فإنه اصطلاح جديد يراد به قصر هذا النحو على القرآن الكريم ، إذ يرى الباحث أن نحو الكلام لم يستوعب القرآن الكريم لأنه – أي نحو الكلام- بُني في أغلب ما بُني منه على مادة شعرية من اشعار العرب وخطبهم وامثالهم، وقلما وقف النحاة عند القرآن الكريم بقراءاته المختلفة.
وعليه فموضوع النحو القرآني شائق جدا ذلك أن الشاهد القرآني هو الانموذج المقدم بامتياز في كتب النحو سيد الشواهد ورأسها؛ لأنه يوافق الشاهد الشعري ويربو عليه لأنه يتضمن أوجها إعرابية مختلفة لا تكاد ترد بها الشواهد الأخرى. وهو منحى مشابه لما سبقه ألا أنه سعي أكثر توجها نحو القرآن، وتراكيبه.   
ونجد أن المتأمل في طرح موضوع النحو القرآني يجد أمام الباحثين مسارين منهجيين قد لا يكون هناك ثالث لهما:
المسار الأول: أن يكون النحو القرآني تابعا للنحو العربي بمعنى أن الأفكار المتعلقة بالنحو العربي سيتم على وفقها فهم التراكيب القرآنية حصرا، وبذا يكون الكلام النحوي مقتصرا على نماذج من القرآن الكريم.
المسار الثاني: وهو أن؛ نضع جانبا اعتبارات النحو العربي، وقواعده جانبا ونأتي إلى نصوص القرآن الكريم، ونبدأ بعملية استقراء وتتبع للتراكيبات القرآنية ثم يجري صناعة القاعدة النحوية على هذا الوفق، وهو منحى يعطي للقرآن الكريم خصوصيته التدوينية والاستعمالية المتفردة التي تفوق خصوصية أي كلام عربي آخر ، وهو مسار جديد بحاجة الى جهود كبيرة في وضع منهج عام لفهم لغة القرآن الكريم، ومنها جانب التراكيب القرآنية، التي تتفاعل المفردات مع بعضها بعضا لتعطي ذلك الرونق الاعجازي لهذه اللغة.

 

العودة إلى الأعلى