جائحة كورونا .. خسائر بشرية متواصلة وتداعيات اقتصادية عالمية
معظم دول العالم مرت بأزمات كثيرة وتمكنت من تجاوزها بفعل اعتمادها على البدائل
حل الازمة يكون بأخذ اللقاح على المستوى العالمي ومعاودة الحركة التجارية بين الدول
خلفت جائحة كورونا منذ ظهور الفايروس في سنة 2019 وحتى هذه اللحظة تداعيات كثيرة على المجتمعات والبلدان من بينها الخسائر البشرية التي توزعت بنسب متفاوتة بين الدول، فبحسب موقع "وورلد ميتر" تجاوز عدد المصابين عالميا على مدى عامين من انتشار جائحة كورونا الـ177 مليون شخص، بينما لقي أكثر من 3 ملايين و800 ألف آخرين مصرعهم بسبب الفيروس.
وشهدت الاقتصادات العالمية ركودا اقتصادية جراء الوباء وما رافقه من اجراءات الحظر وتراجع مستوى الانشطة الاقتصادية بشكل لافت.
اعتماد القطاع الخاص جعل الدول اقل تضررا من الجائحة بالمقارنة بالدول التي تعتمد القطاع الحكومي
الجائحة والاقتصادات الريعية
وبصدد تأثير الجائحة على الاقتصادات الريعية قال معاون العميد في كلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء الاستاذ الدكتور محمد حسين الجبوري "ان تداعيات جائحة كورونا تركت اثارا كبيرة على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى الاقتصادات الريعية والاقتصاد العراقي بشكل خاص وان الدول التي كانت تعتمد على القطاع الخاص اقل تضررا من الدول التي تعتمد على القطاع الحكومي لان التأثير شمل مختلف القطاعات منها القطاع السياحي بسبب منع السفر والتبادل التجاري".
ولفت الى ان "من اثار جائحة كورونا التي شهدتها الدول البطالة ومنها العراق حيث تضرر بشكل كبير بفعل البطالة إذ ان اغلب المصانع توقفت بسبب الحظر وعدم التنقل المحلي والعالمي وتوقف الانشطة الزراعية والسياحية والتجارية مما ترك تأثيرات سلبية مضاعفة على البلد".
وأوضح الجبوري ان "الحل الوحيد في تجاوز الازمة هو اخذ اللقاح على المستوى العالمي لكي يتم السيطرة على المرض وبالتالي تعود الانشطة الاقتصادية والحركة التجارية بين دول العالم".
ونوّه الى ان "هنالك دول اصابها الضرر بشكل اقل من نظيراتها بسبب ازدهار بعض الصناعات منها الصناعات الالكترونية مثل زيادة انتاج اجهزة الموبايل بشكل مضاعف كون هنالك طلب عالمي بسبب تحول الدراسة واعتمادها التعليم الاليكتروني كذلك انتاج المعقمات والادوية وصناعة بعض الاجهزة الطبية كل هذا ساعد على المحافظة على اقتصادها وعوضت عن الانشطة الاخرى".
هبوط النشاط الاقتصادي بوتيرة متسارعة
ووفقا لتقرير الآفاق الاقتصادية العالمية: "لقد أحدثت الجائحة أزمة عالمية ليس لها مثيل، أزمة صحية عالمية، علاوةً على خسائر بشرية هائلة أفضت إلى أشد ركودٍ شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية."
توقعات صندوق النقد الدولي بشأن نمو الاقتصاد العالمي في 2021
يتوقع صندوق النقد الدولي انتعاشًا اقتصاديًا أقوى في 2021 مع بدء إطلاق لقاح فيروس كورونا، لكنه يحذر من "تحديات مروعة" نظرًا للمعدلات المختلفة لإعطاء اللقاحات في جميع أنحاء العالم.
و قال الصندوق "إنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 6% في عام 2021، ارتفاعا من توقعاته البالغة 5.5% في يناير الماضي.
وتوقع أن يزداد الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2022 بنسبة 4.4% ، أعلى من التقديرات السابقة البالغة 4.2%.
وقالت كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخير: "حتى مع ارتفاع درجة عدم اليقين بشأن مسار الوباء ، فإن طريقة للخروج من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية واضحة بشكل متزايد".
وأضافت جوبيناث: "ومع ذلك ، فإن التوقعات تمثل تحديات مروعة تتعلق بالاختلافات في سرعة التعافي عبر البلدان وداخلها وإمكانية حدوث أضرار اقتصادية مستمرة من جراء الأزمة".
وقال صندوق النقد الدولي إن الحكومات يجب أن تواصل التركيز على "الهروب من الأزمة" من خلال توفير الدعم المالي، بما في ذلك أنظمة الرعاية الصحية لديها.
وأضاف أنه في المرحلة الثانية "سيحتاج صانعو السياسات إلى الحد من الندوب الاقتصادية طويلة الأجل" من الأزمة وتعزيز الاستثمار العام".
تأثير الجائحة على السياسة العالمية
وذكّر استاذ العلاقات الدولية في جامعة شاندونغ – الصين د. نذير الدلالعة في بحث منشور في موقع مركز تريندز للبحوث والاستشارات بعنوان تأثير وباء “كوفيد-19” على السياسة العالمية ان "وباء كورونا المستجد “كوفيد-19” سيظل تأثير محدودًا على السياسة العالمية في وقت سيؤثر فيه على أسلوب الحياة، وطرق إدارة الصحة العامة، والأمن الصحي العالمي، وسيبرز الدور المهم للحكومات في حياة الناس اليومية كما سيحكم تداعياته على مستوى مشهد السياسة العالمي وكيفية تعامل القوى العظمى مع تأثيره على اقتصاداتها؛ وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية التي عرف خطابها تحولا تجاه هذه الأزمة، إذ أصبحت واشنطن تعد الوباء عدواً مرئيا في إشارة واضحة إلى الصين كمصدر له، الأمر الذي من شأنه أن يُجيز لها الاحتفاظ بحق الرد. ومن المرجح، بناءً على هذا التحول، أن يتجلى التأثير الرئيسي لانتشار وباء “كوفيد-19” على السياسة العالمية في توسع هوة الخلاف بين الولايات المتحدة والصين".
واسترسل كاتب البحث "يثير التأثير العالمي لوباء فيروس كورونا المستجد سؤالين مترابطين: هل هذه لحظة تاريخية سيتغيّر فيها وجه العالم إلى الأبد؟ وهل سيحدث هذا الوباء تأثيراً دائماً على الجغرافيا السياسية عالميًّا؟؛ لا توجد بعدُ في الأفق إجابة محددة لهذين السؤالين، لكن يمكن للجدل السياسي الناشئ حول تأثير الوباء المُساعَدة في التوصل إلى توقعات أوضح بشأن الكيفية التي سيتغير بها العالم في فترة ما بعد فيروس كورونا المستجد".
ومضى الدكتور الدلالعة في بحثه "هناك آراء مختلفة حول التأثير الفوري أو المستقبلي لتفشي هذا الوباء، حيث يؤكد بعض المحللين أن الأزمة ستساعد في إنشاء نظام عالمي جديد تتبوأ فيه الصين صدارة الحوكمة العالمية، ويتوقع آخرون إمكانية أن يتمخض تأثير هذا الفيروس الهائل على البشرية عن عصر جديد من التعاون العالمي ويوسّع ويعمّق أواصر الترابط بين الأمم والشعوب ويحذر – في المقابل البعض – من أن التعاون بين الدول والعولمة ذاتها في نهاية المطاف، سيكونان أكبر ضحيتين لهذا الوباء".
وتابع ان "مختلف التنبؤات تشير إلى حالة الضبابية وانعدام الأمن الناتجة عن هذه الأزمة، غير أن الطبيعة السياسية لتأثير هذا الوباء ما زالت تكمن في “القضية الخلافية المتمثلة في منشئه”، حيث اكتسب التساؤل حول منشأ فيروس كورونا المستجد زخمًا بينما لا يزال الاهتمام في الوقت الراهن منصبًّا على مكافحة الفيروس نفسه، وسيكون في مرحلة ما الجواب عن هذا السؤال هو السبيل إلى خطط الطوارئ والطرق اللازمة للتعامل مع أي وباء مستقبلي".
وأشار الدكتور الدلالعة الى ان "أي تأثير لهذا الوباء على الشؤون الجغرافية الاستراتيجية العالمية يتوقف على استجابة القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة؛ ومن المهم، في هذا الصدد، أيضًا الإشارة إلى أن تلك العوامل السياسية نفسها التي سبقت الوباء من المرجح أن تكون العوامل نفسها التي تحدد تأثيره (تأثيراته) المستقبلي؛ والأساس المنطقي وراء هذا الافتراض أن تفشي الوباء لم يكن حدثًا مفاجئاً كهجمات 11 سبتمبر، ولا كان فادحًا من حيث العواقب كاندلاع الحرب العالمية الثانية".
واكمل الباحث الدلالعة "في هذا السياق ينوّه ستيفن والت إلى أن “الشيء الذي لن يتغير هو الطبيعة المتضاربة في جوهرها التي تغلب على السياسة العالمية؛ فالأوبئة السابقة بما في ذلك وباء الإنفلونزا في 1918/1919 لم تُنهِ تنافس القوى العظمى، ولم تُؤذن ببداية عصر جديد من التعاون العالمي، وسيكون الحال كذلك مع فيروس كورونا المستجد وبالتالي فإن تأثير الفيروس على الجهود السياسية لإدارة الأزمة لا يعني أنه بمجرد التغلب على الوباء، فإن الأزمة لن تحول دون معاودة ظهور الصراعات السياسية السابقة كالمنافسة بين الولايات المتحدة والصين".
الدول المتقدمة وضعت خطط للاستغناء عن النفط والتوجه الى الطاقة المتجددة
أزمات أكثر ضررا من الجائحة
ويرى رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في كلية الادارة والاقتصاد في بجامعة كربلاء الاستاذ المساعد الدكتور كمال كاظم الشمري ان "تأثير جائحة كورنا على الركود الاقتصادي الذي عم جميع دول العالم كان كبير جدا ولكن تفاوت هذا التأثير بين دولة واخرى حيث نجد الدول التي تعتمد على الاقتصاد الريعي مثل النفط ومنها العراق الذي يعتمد بشكل كبير على النفط في تغطية الموازنة الحكومية ان التأثير مضاعف والسبب في ذلك هو انخفاض النفط بشكل كبير بسبب انخفاض الطلب العالمي وما ترتب عليه من قلة مدخولات العراق من العملة الاجنبية"
واضاف ان "معظم دول العالم اتخذت الاحتياطات اللازمة لمواجهة الازمات الاقتصادية إذ انها مرت بأزمات كثيرة وتمكنت من تجاوزها بفعل اعتمادها على البدائل، والآن يجب ان نفكر ونعتبر من تجارب الدول المتقدمة، وان نعيد النظر بتنشيط الاقتصاد العراقي من خلال تفعيل الموارد الاخرى المعطلة منها الزراعة والصناعة والسياحة لكونها موارد اقتصادية مهمة لا تقل اهمية عن النفط".
وواصل الدكتور الشمري حديثه "ربما سنشهد ازمات اكثر ضررا من جائحة كورونا لان العالم متجه الى الطاقة المتجددة، فالدول المتقدمة وضعت خطط في الاستغناء عن النفط، وفي عام 2050 يتوقع ان يكون هنالك تغيير شامل، وان الطلب على النفط يكون محدود جدا مما ينعكس بشكل مباشر على اسعاره وهذا بالتأكيد سوف يهدد الاقتصاد العراقي كون النفط يشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد".
العالم يتهيأ لعصر الذكاء الاصطناعي
وافاد استاذ الاقتصاد بجامعة كربلاء الدكتور هاشم جبار الحسيني ان "هنالك أثر كبير لجائحة كورونا على السياسات العالمية وعلى الجوانب الاقتصادية للبلدان ، فقد طرأت تغيرات آلية على تحريك عجلة الاقتصاد و التأثير في متغيراته، ففي جانب دالة الإنتاج التي تعتمد على متغيرات العمل و رأس المال و التكنولوجيا أصبح العامل او المتغير الاخير اي التكنولوجيا المساهمة الأكبر و المؤثر الاوضح في دالة الإنتاج سواء على مستوى الفرد او على مستوى المجتمع و الاقتصاد ككل و اعتقد ان هذا بدوره قد يهيئ العالم إلى ما بعد عالم اقتصاد النفط و ثورة الانترنت اي التهيؤ علميا لعصر الذكاء الاصطناعي".
وأوضح قائلا "بمعنى آخر ان العالم سوف يحدث فيه تغيرا كبيرا واستعدادا واضحا من أجل الدخول في عالم يسوده الذكاء الاصطناعي إذ تكون التكنولوجيا عالية التقدم هي المسيطرة و البلد او الدولة او الأمة التي تمتلك مقدمات الدخول إلى هذا العالم سوف يكون لها قدم راسخ في رسم الخطوط الأساسية في عالم ما بعد النفط و ما بعد covid 19 وصولا إلى عالم الذكاء الاصطناعي"
تحقيق : ابراهيم العويني ــ تحرير: فضل الشريفي