نقابة الأشراف العلويون في كربلاء المقدسة بين القرنين (4هـ - 8هـ/ 10م - 14م) ح1
دراسة تاريخية
(1)
د. منال حسن عكلة
ملاحظة: هذه الدراسة تتكون من خمس حلقات.
الحلقة الاولى
النقابة العلوية في الحائر الكربلائي خلال فترة الخلافة العباسية (132-656هـ/750-1258م) في القرن الثاني والثالث الهجري/ الثامن والتاسع الميلادي:
نتيجة لاتساع الممالك الاسلامية في فترة الخلافة العباسية، تطلب الأمر توسيع شؤون النقابة حتى اصبح في كل مصر من الامصار نقيباً من العلويين، وآخر من العباسيين، وألحقوهم بمركز الخلافة وعينوا لهم رئيسا يدعى (نقيب النقباء).
أول من سعى الى تأسيس نقابة الطالبيين هو السيد الجليل المحدّث الكوفي الحسين بن احمد بن محمد بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة (العبرة) بن زيد الشهيد بن الامام علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، الذي جاء من المدينة الى العراق عام (251هـ/ 865م) ودخل على الخليفة العباسي المستعين بالله بن المعتصم (248-252هـ/862-866م) وطالبهُ بتعيين رجل من الطالبيين يتولى إدارة شؤونهم ويدفع غائلة الأتراك عنهم، فقرر الخليفة تعيينه لهذه المهمة بعد مشاورته الطالبيين، ووقوع اختيارهم عليه، وقد قام حسين بن احمد العلوي بتأليف كتاب في أنساب الطالبيين أسماه (الغصون في آل ياسين) الذي أفاد منه كثيراً النسّابة الكوفي ابن دينار، ثم توارث أحفاده من بعده نقابة الطالبيين في كل الأمصار الإسلامية عامة وفي العراق خاصة.
كان الحسين نسابة ونقيباً في آن واحد، كما كان أول نقيب ولي على سائر الطالبيين كافة، وردَ العراق من الحجاز سنة (251هـ/ 865م) وأعقبَ من رجلين زيد المعروف بـ(عم عمر) ويحيى، وفى ولده البيت أما زيد عم عمر، فكان له عقب بالكوفة وانقرض بعد ذيل طويل.
وكان جده يحيى بن الحسين نسابة ايضاً، ويكنى أبا الحسين وكان (نقيب النقباء) وأعقب من رجلين، وهما أبو علي عمر الشريف الجليل، وأبو الحسن الفارس النقيب، أما أبو علي عمر بن يحيى فحج بالناس أميراً عدة مرات من جملتها سنة (339هـ/950م)، وفيها رد الحجر الأسود إلى مكة وكانت القرامطة أخذته إلى الإحساء وبقي عندهم عدة سنين، وكان له سبعة وثلاثون ولدا.
كانت النقابة تنتقل من بيت علوي لآخر حسب الكفاءات العلمية والنفوذ الشخصي .وفي نهاية القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع الهجري/ نهاية القرن التاسع الميلادي أوائل العاشر الميلادي، سكن كربلاء الكثير من السادات العلويون. وهذا الامر تطلب أن يتولى شأنهم نقيب من بينهم فكان اول نقيب للطالبيين في كربلاء هو النقيب العلوي:
1-ابراهيم المُجاب: بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (عليه السلام) تولى نقابة الأشراف في كربلاء عام (274هـ/887م) بعد ان اتخذ كربلاء مسكناً له وقد اختلف في أسمه فقيل هو السيد تاج الدين ابراهيم الملقّب بالمُجاب، وقيل هو غياث الدين إبراهيم، وفي رواية اخرى هو سراج الدين، وعلى كل حال هو السيد إبراهيم بن السيد محمد العابد بن الامام موسى الكاظم وتوفي والده محمد العابد في شيراز في خلافة المأمون العباسي، وقبر إبراهيم المجاب داخل حرم الامام الحسين (عليه السلام) وقد أجمع المؤرخون وعلماء النسب على أن ابراهيم المجاب الكوفي، هو أول من انتقل الى الحائر الحسيني وآثر الاستيطان في كربلاء بعد حادثة المتوكل في أيام المنتصر العباسي سنة (274هـ/887م) الذي هدم قبر الحسين (عليه السلام) ومنع زيارته، فاتخذ ابراهيم كربلاء مسكناً له، ولقّب ابنه الاكبر السيد محمد بـ (الحائري) نسبة الى سكنه الحائر ومجاورته لأرض كربلاء، وهو الجد الأعلى للسادة آل فائز وآل طعمة وآل نصر الله وآل ضياء الدين وآل عوج (مساعد) وآل تاجر وآل سيد أمين، وهم من أحفاد ابنه السيد أبي الطيب احمد.
أما سبب تلقيب إبراهيم بالمجاب فهو ما يقال إنه سلّمَ على الحسين (عليه السلام) فأُجيب من القبر، وليس هو جد السيدين المرتضى والرضي كما يتوهم، لأن أحدهما إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
وورد ذكره في عمدة الطالب، ابراهيم المجاب، بقوله:"... إبراهيم المجاب بن محمد العابد ابن موسى الكاظم (عليه السلام) عن كتاب عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب للسيد الشريف النسابة أحمد بن علي بن الحسين الحسني، أنه قال وأما إبراهيم الضرير بن محمد بن موسى الكاظم (عليه السلام) فهو المعروف بالمجاب وقبره بمشهد الحسين (عليه السلام) معروف مشهور".
وكان والد إبراهيم المجاب وهو محمد العابد، من أتقى الناس وأصلحهم، فقد قال الشيخ المفيد في ترجمة محمد بن موسى بن جعفر: عليهما السلام: " وكان محمد بن موسى من أهل الفضل والصلاح، أخبرني أبو محمد الحسن بن يحيى، قال: حدّثني جدّي، قال: حدثتني هاشمية مولاة رقية بنت موسى، قالت: كان محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة، وكان ليله كله يتوضأ ويصلي، فيسمع سكب الماء، ثم يصلي ليلا، ثم يهدأ ساعة فيرقد ويقوم، فيسمع سكب الماء والوضوء، ثم يصلي ليلا، فلا يزال كذلك حتى يصبح، وما رأيته قط إلا ذكرت قول الله تعالى: كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ "وإنما لقب أبوه محمد بالعابد لكثرة عبادته وصومه وصلاته.
وتشعبت من إبراهيم المجاب جدّه الأكبر عدّة أسر علوية منها:
الجَوابِر: من الأسر العلوية المعروفة في العراق، وفي وثائقهم أنهم من ذرية السيّد جابر الكبير الذي يصل في تسلسل النسب إلى جده إبراهيم المجاب بن السيّد محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
2-محمد الحائري: ابن إبراهيم المجاب الموسوي، تولى النقابة والسدانة بعد أبيه سنة (300هـ/ 912م) ولد بعد الربع الاول من القرن الثالث وسكن كربلاء، مع أبيه سنة (247هـ/861م) توفي حوالي سنة (325هـ/939م) ودفن في واسط، وكان من أعلام كربلاء.
3-السيد شريف الدين محمد، المعروف بابن السدرة، نازع أبا الحسين زيدا الأسود بن الحسين بن كتيلة فضيق عليه وغلبه وصار هو النقيب، وسافر إلى المشهد الغري في النجف، وأقام فيه سنة (308هـ/921م) حتى توفي... وهذا قد يقودنا إلى القول إن نقابة الاشراف في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي كانت تضمّ كربلاء والكوفة معاً.