السينما و الدراما.. بينَ الرسالة والواقع والإمكانات المتاحة
مع التطور الفني الملحوظ والتنوّع في ضخ المفاهيم التي تطرحها السينما العربية لا زال الأمر يختلف تماماً فيما يخص العراقية منها، فقد عانى الانتاج السينمائي العراقي من حالات عديدة من الضعف والقصور والتقصير، والتقوقع ضمن مفاهيم وطروحات مجترّة وخالية من عناصر الجذب سواء فيما يتعلق بالمحتوى او الأداء او التقنيات المستخدمة..
وفيما يخص الدراما، يلحظ المتتبع والمُهتم صعود أنواع من الدراما العربية كالخليجية والمصرية والسورية وتصدّرها المشهد التلفزيوني في المجتمع العربي، ولكن هل ان محتوى هذه الدراما يحمل قيماً اجتماعية ويتحلى برسالة انسانية يهدف الى نشرها أم ان الأمر لا يعدو كونه ترفيهاً مبالغاً فيه، يصل أحياناً الى حد الفوضى والابتذال وحتى خدش الحياء!؟ وكذا التساؤل بالنسبة للسينما والدراما في العراق؟
معالجة الظواهر الدخيلة
وفيما يخص الدراما تحدثَ الفنان السوري رضوان عقيلي، عن ضرورة تقديم دراما واضحة المعالم قائلاً" علينا أن نتعاون لمعالجة جميع الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا ونقدّم دراما واضحة، تستهدف تثبيت شبابنا وأجيالنا القادمة على الأسس التربوية الصحيحة، الدراما العربية ما قبل ظهور الفضائيات كان فيها نوع من المنافسة وكان العمل الدرامي يحمل مضامين ثقافية واجتماعية مهمة ومفيدة وممتعة تخاطب عقول الناس، وتجسد مشاكلهم وطموحاتهم."
وبيّن عقيلي" علينا أن نتقدم بإستراتيجية ورؤية واضحة ورأس مال كبير، لتوثيق هذه المرحلة الاستثنائية التي تمرّ فيها مجتمعاتنا، وفق أعمال درامية وسينمائية رصينة تحقق الرؤية الكاملة للأجيال اللاحقة، لكي يعرفوا تماماً ما مرّ بهم وبعوائلهم ومجتمعاتهم في فترات عصيبة استمرت لسنوات، فضلاً عن ان هذه المهمة تعد ضرورية لتثبيت رؤية مجتمعاتنا مقابل الرؤى الدخيلة التي يمكن أن تسود في بعض الفترات نتيجة التدخلات الخارجية..."
أهمية التمويل وتراكم الخبرة
الفنان العراقي محمود ابو العباس أدلى قائلاً" كما نعرف أن السينما تعد صناعة وفن يعتمد على رؤوس أموال ضخمة، لان الإنتاج السينمائي قضية ليست يسيرة وسهلة، والنهوض بهذا القطاع يحتاج الى جهد وإبداع وتخطيط يمتد لسنوات طويلة.. ولكن نأمل بتراكُم الخبرة من المشاركة في المهرجانات الخارجية والمحلية لأن يتم تأسيس موطئ قدم ورؤية سليمة وفعالة لإنتاج سينمائي عراقي، يمكن أن ينافس مثيله العربي على الأقل.
وانتقد أبو العباس المؤسسات المتخصصة" اعتقد ان المؤسسات الأكاديمية التي تُعد المخرجين الشباب والمصورين الشباب وكتّاب السيناريو تحتاج الى مراجعة للذات، لأن السينمائي لا يتطور من خلال الدروس المتخصصة فقط وانما يتطور من خلال البحث والاكتشاف والتدريب العملي".
موضحاً" ان السينما حس ورؤية، وهي لغة جمالية يجب أن يتمتع فيها المخرج بذهنية عالية تفوق ما موجود وما مألوف في الحياة، ولا ننسى ارتباط هذه الأمور بمسألة التمويل لأن ذهنية الفنان او المخرج ستنثلم إذا لم يكن هناك رأس مال كبير يغطي رؤية الإخراج والانتاج... نحن نشاهد الكثير من التجارب في العالم ونحتاج من الشاب العراقي أن يواكب على اقل تقدير مفهوم المشاهدة بشكل علمي، أي أن يشاهد التجارب العالمية لكي يستطيع تقديم فيلم سينمائي يمثل وجه السينما العراقية".
الدراما وجه الحياة الآخر
المخرج المسرحي والتلفزيوني علي الشيباني قال" لإقامة دراما واضحة المعالم مثل ما موجود في عواصم الدراما الآن في سوريا والخليج ومصر لابد من خطط انتاج واسع ومتنوّع، وعند الشروع بإنجاز هذه الخطط يمكن لنا أن نضع وبشكل كبير ما نريده من مواضيع تتعلق في الجانب الاجتماعي والجانب السياسي والاقتصادي وغيره".
وأكد الشيباني" الدراما أصبحت تغطي الكثير من معالم الحياة التي تهمّ المواطن، ومن الملاحظ ان المجتمع ينجذب تماماً الى الدراما الاجتماعية المتشكّلة عبر حلقات متعددة، وبالتالي بالإمكان إعطاء جرعات كبيرة من الوعي والثقافة في هذا الاتجاه" .
في حين أكد الممثل اللبناني عصام وهبي" ان السينما سلاح ثقافي مهم وحيوي جداً، لأنها توصل الأفكار الى المجتمعات المختلفة بأسرع وقت وأسهل الطرق وأكثرها متعة، وبوسعنا التعامل مع كل الظواهر سلبية كانت او ايجابية وطرحها لتتحول الى عمل فني سينمائي يلقي بظلاله على الواقع الاجتماعي، ولكن مازال أمامنا طريق طويل لإدراك ما وصلت اليه السينما العالمية من تقنيات وانتاج وتمويل" .
طاقات مقيَّدة بالأزمة المالية
الفنان العراقي محسن الجيلاوي يعتقد بإمكانية وجود حالة تعافي للسينما العراقية ويرى أن" الحرص على اقامة المهرجانات السينمائية أمر مهم للنهوض بمستوى السينما في البلد، ونحن في العراق بدأنا نضع قدمنا على الطريق الصحيح نحو انتاج سينمائي يحمل رسائل انسانية ويعالج قضايا تهم المجتمع، فعلى سبيل المثال هناك العديد من القصص التي خلفتها فترة العنف والإرهاب وجرائم تنظيم داعش، يجب أن توثّق سينمائيا ليرى العالم ما فعلته هذه العصابات التي لا تنتمي الى الانسانية ولا الإسلام بشيء..
وأوضح" هناك مقولة متعارف عليها تفيد ان المشهد الواحد قد يعادل كتاباً يُقرأ، ومن هنا فإن كاتب السيناريو للأعمال السينمائية والدرامية يجب أن يفكر في قضايا تهم الوطن والمجتمع والانسانية بشكل عام، لأننا بحاجة ماسّة في الوقت الحاضر للتمسّك بالتقاليد والأعراف والعادات الصحيحة من خلال انتاج رصين مبني على أسس تقنية متينة.."
واستدرك" نحن نمتلك الطاقات المبدعة والمتنوعة في هذا الاختصاص ولكن العقبة الكبرى تكمن في الإنتاج، فمنذ عام 2014 لم نقوم بأعمال درامية بسبب الأزمة المالية، ونطمح في المستقبل أن تتحسن الأوضاع أكثر لكي تنطلق قافلة السينما والدراما العراقية من جديد.
تحقيق: عماد بعو
تحرير: صباح الطالقاني