مكتبة العتبة الحسينية منظومة ثقافية وواجهة حضارية
اُنشأت مكتبة العتبة الحسينية المقدسة التابعة لقسم الشؤون الفكرية لرفد الباحثين والجامعات والمثقفين بالمصادر والمراجع ليتسنى لهم تحقيق اهدافهم الثقافية والفكرية, حيث تحتوي المكتبة على الاف الكتب الورقية والالكترونية ولم تقتصر على الكتب الدينية فقط فهي ذاخرة بالكتب الثقافية والفكرية والعلمية، وتقع المكتبة في مدخل الحرم الحسيني الشريف، باب القبلة وبمساحة أكثر من 500 متر مربع..
لمحة تاريخية
وتُعدّ المكتبة من المكتبات الكبيرة والمهمة في العراق، حيث يعود تاريخ خزانة المشهد الحسيني الشريف الى ما قبل سنة 1131هـ / 1718م وقد كانت تحتوي على نفائس المصاحف الخطية والمخطوطات النادرة والتحف والذخائر المهداة من قبل الملوك والامراء والاعيان، الا ان هذه الخزانة تعرضت الى عدة هجمات وحشية وسرقات ومصائب كثيرة، منها الغارة الاجرامية الوهابية في عام 1216هـ/1802م والذي تم فيه حرق كثير من الكتب والمخطوطات ونهب النفائس والذخائر الثمينة.
في سنة 1975م جمعت المصاحف والمخطوطات النادرة المتبقية، واضيفت اليها مجموعة من الكتب في مختلف أنواع العلوم والآداب يبلغ عددها قرابة خمسة عشر الف كتاب، ليتم انشاء مبنى خاص بإسم مكتبة الروضة الحسينية المقدسة في الجهة الغربية من الصحن الحسيني الشريف بالقرب من باب الزينبية، والتي تم نقلها فيما بعد الى الجهة اليمنى عند مدخل باب القبلة في موقعها الحالي، الا انها تعرضت الى نكبة اخرى من قبل ازلام النظام البعثي المقبور في عام 1411هـ / 1991م، حيث سرقت واحرقت كتبٌ ومخطوطاتٌ نادرة كثيرة، كما اصبحت قاعات المكتبة بعد ذلك عبارة عن مكان مظلم لاحتجاز زوار الإمام الحسين عليه السلام وتعذيبهم".
وبعد سقوط النظام البعثي المقبور بادرت ادارة العتبة الحسينية المقدسة الى افتتاح هذه المكتبة وفي اوائل عام 1426هـ/ 2005م تم الانتهاء من تأهيلها وبدعم من المرجعية العليا في النجف الأشرف، بما يتناسب مع احتياجات المطالعين والباحثين، برفدها بآلاف المصادر والمراجع العلمية والأكاديمية في مختلف العلوم الإسلامية والإنسانية والتطبيقية"
وقد زُوّدت بالأجهزة الآلية الحديثة من حاسبات متطورة واجهزة تصوير واستنساخ وانظمة برمجية متقدمة، مع استحداث شعب ووحدات فنيّة تخصصية، لتؤدي دورها في تقديم الخدمات الفكرية والمعرفية للباحثين وطلبة العلم بما ينعكس إيجابا على الوعي المعرفي والثقافي العام للمجتمع.
المكتبة والصدارة
مسؤول شعبة نظم المعلومات حسين الزاملي قال أن " مكتبة العتبة الحسينية المقدسة أصبحت من اهم وأفضل المكتبات في العراق لاحتوائها على أكثر من 70 ألف عنوان ورقي و26 مليون عنوان رقمي، تتناول مختلف الموضوعات كالتفسير والحديث والفقه واصوله والطب والهندسة والرياضيات والزراعة وكتب اللغة والأدب والنقد والتاريخ والجغرافيا وغيرها من مطبوع ومخطوط وكذلك المصادر الرقمية وبلغات عالمية متعددة فضلاً عن العربية".
وأردف في حديث لمركز الاعلام الدولي أن " المكتبة أصبحت مصدراً يرتادها الباحثون الأكاديميون على وجه الخصوص وغير الأكاديميين (من كلا الجنسين) لكثرة ما يتوافر فيها من المصادر والعنوانات ذات الاهتمام بمشاريع الباحثين، علماً أن روادها تجاوزوا حدود المدينة وجامعاتها ليشمل مدن العراق الأخرى فضلاً عن الدول المجاورة بل العالمية".
أهداف كبيرة وشاملة
وتأمل مكتبة العتبة الحسينية المقدسة "وفقا للزاملي" ان تُكوّن منظومة ثقافية وواجهة حضارية تعكس الفكر الإسلامي الأصيل في المجتمع من خلال تلبية احتياجات الباحثين وتوفير مصادر المعلومات المطلوبة والخدمات المتميزة" منوها أن المكتبة" تتطلع إلى التميز والريادة في مجال نشر المعرفة والثقافة الإسلامية في صفوف المجتمع والرقي إلى مصاف المكتبات العالمية المتقدمة بما يتناسب مع المكانة الدينية والروحية والعقائدية للعتبة الحسينية المقدسة".
وعن الاهداف الاساسية للمكتبة قال أن " المكتبة تعمل على توفير البيئة الملائمة للمطالعة والبحث, وتوفير مجموعات شاملة ومتوازنة من مصادر المعلومات التقليدية والرقمية, وتقديم الخدمات المكتبية الجيدة بأنواعها المختلفة بالتوازي مع احتياجات وتطلعات المستفيدين" مضيفا أنها تسعى الى" رفع الوعي المعلوماتي لدى المستفيدين وذلك بإعداد برامج تسويقية للمعلومات وأخرى تعريفية بالخدمات المقدمة، وتعمل على تأهيل وتدريب العاملين في مجال المكتبات، اضافة الى إرساء وتطوير علاقات التواصل والتعاون مع مؤسسات المعلومات الأخرى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي".
وأوضح أن" بناية المكتبة مقسمة الى قاعات بداية بالقاعة الرئيسية والتي تحتوي على أكبر عدد من مصادر المكتبة في مختلف المواضيع، كالكتب الإسلامية وكتب العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية، ثم القاعة التخصصية في الإمام الحسين عليه السلام وتحتوي على كل ما يختص بشخصية الإمام الحسين عليه السلام وواقعة الطف، وتتلوها القاعة الأكاديمية وتحتوي على مختلف المصادر في موضوعات اللغة والأدب والتاريخ وكافة العلوم الإنسانية والتطبيقية، كما يوجد مكان خاص للرسائل الجامعية، وأخيرا تأتي قاعة حبيب بن مظاهر الأسدي وتحتوي على كتب المعارف العامة والمجلات والدوريات والكتب المرجعية.
وعن تطلعات ادارة المكتبة في ان تكون رائدة في جميع المجالات العلمية والمعرفية، قال الزاملي " بالنظر لاهتمامات المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي فإن المكتبة تدرس بجدّية إمكانية تحقيق مجموعة مشاريع من شأنها اثراء الجانب المعرفي والعلمي في المجتمع وهو جزء من أهداف المتولي الشرعي في جعل مكتبة العتبة الحسينية المقدسة رائدة في العراق والمنطقة على المستوى الديني والأكاديمي".
خدمات عديدة ومنوعة
وأكد أن " المكتبة تتوفر فيها خدمات عديدة ومتنوعة، منها خدمة الإعارة خدمة الاستنساخ، خدمة ارشاد المطالعين، خدمة الإحاطة الجاريـة، خدمة البث الانتقائي للمعلومات ، الخدمة المرجعية، خدمة البحث الالي، خدمة المواد السمعية والبصرية، خدمة الأقراص المدمجة، خدمة قاعة الحاسبات والبحث بالاتصال المباشر، خدمة إرسال المصادر عن بعد، خدمة الرسائل والأطاريح، خدمة المجلات والدوريات والمقالات العربية المكشفة، خدمة المسح الضوئي، تصوير مصادر المكتبة الورقية وفق ضوابط تحفظ حقوق الملكية الفكرية، كما تشمل خدمة تبادل واهداء الكتب، خدمة التنضيد واخراج وتحقيق المخطوطات، خدمة طباعة البحوث ونشرها: المقالات والأبحاث المتوافقة مع ضوابط القسم يتم نشرها في الموقع الرسمي للمكتبة وكذلك مجلة الوارث او طباعتها ككتاب، خدمة اقتراح شراء كتاب، خدمة إسأل أمين المكتبة (الإجابة عن الاستفسارات)، خدمة التدريب وإقامة ورش عمل.
وأشار أن " للمكتبة أنظمة ولوائح تنظم العلاقة بين ادارة المكتبة ومرتاديها، وهي للمطالعين حق ابداء رأيه وملاحظاته عن الخدمة المقدّمة ووضع آرائه داخل صندوق المقترحات، اضافة الى حق اقتراح العناوين والموضوعات ذات الاهتمام بتخصصه وغير المتوفرة في المكتبة" مبينا أن " المكتبة تحتوي على اشكال متعددة من المصادر مثل الكتب، الرسائل الجامعية، المجلات، الدوريات العلمية، القواميس، الموسوعات، نتائج المؤتمرات، الندوات، الأقراص المدمجة، ملفات رقمية".
ومن الجدير بالذكر أن" قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة يعمل على ترسيخ ثقافة القراءة في المجتمع وايصال العلم والمعرفة الى كافة انحاء البلاد، من خلال تأسيس مكتبات فرعية تعمل ضمن الاهداف والرسالة للمكتبة الام في كربلاء المقدسة ولذلك تم انشاء مكتبة العتبة الحسينية المقدسة - فرع بابل".
تنوع في العلوم والمعارف
فيما ذكر موظف شعبة المكتبة الورقية في العتبة الحسينية عماد الفتلاوي، أن " المكتبة تضم 120 الف مجلد اغلبها كتب دينية اضافة الى الكتب الثقافية والعلمية والفكرية حيث تحتوي المكتبة الاكاديمية التي تم تطويرها بعد سقوط النظام السابق على الاف الكتب المتنوعة بعد ان كانت تقتصر على كتب محدودة, ومن هذه المصادر التي تحتويها هي الفيزياء والكيمياء والعلوم والصحافة والرياضة والرسم والزراعة والعلوم العسكرية والعلوم السياسية اضافة الى الكتب الادبية".
وحدات المكتبة
وعن الية العمل في المكتبة بين الفتلاوي في حديث لموقع الاعلام الدولي، أن" المكتبة تعمل بنظام الاعارة عن طريق وحدة عملها تسهيل مهمة القارئ والباحث للحصول على الكتب والمصادر داخل المكتبة حيث يعمل الموظف الموجود على تسهيل المهمة للباحث او القارئ من خلال بحث الكتاب المطلوب في الحاسبة لمعرفة تسلسله ومكانه في المكتبة ليتم استخراجه بسهولة".
وأضاف أن " ادارة المكتبة عملت على توفير وحدة الاستنساخ داخل المكتبة وبأسعار مدعومة حيث ان الباحث الذي يحتاج الى اخذ بعض المصادر يعمل على استنساخها داخل المكتبة من دون اخراج الكتب , وتعمل المكتبة على نظام الكوها (هو نظام آلي مفتوح المصدر لإدارة أعمال المكتبات يعتمد على متصفح الإنترنت تم تطوير هذا النظام عن طريق مجموعة من المبرمجين والمصممين والمكتبيين، وقد صمم هذا النظام خصيصاً للمكتبات) وقد تم التواصل مع العديد من الجامعات لتدريس هذا النظام فيها".
"وتعمل المكتبة على اقامة النشاطات والفعاليات" بحسب الفتلاوي مبينا أنها" تشارك في العديد من المعارض والمهرجانات المحلية والدولية منها مؤتمر الفهرست العالمي الموحد السنوي الذي يتم فيه دعوة كافة الجامعات والكليات في جميع انحاء العراق, وكذلك مهرجان اربيل للكتاب ومهرجان بغداد الدولي ومعرض الكتاب الدائم في كربلاء اضافة الى المهرجانات الدولية في بيروت والمانيا وتركيا ".
رفد المكتبة
وبيّن الفتلاوي أن" جلب الكتب والمصادر الى المكتبة يتم عن طريق وحدة التزويد، وتقوم هذه الوحدة بالحصول على هذه المصادر من المعارض والمهرجانات التي يتم المشاركة فيها بالتعاون مع اللجنة المقيمة للمعرض او المهرجان , كما يتم التعامل مع الكتب التالفة عن طريق اعادة ترميمها وتغليفها في وحدة التجليد التابعة الى المكتبة".
آراء الرواد
وعن اهمية المكتبة و دورها في رفد الباحثين والمطالعين يقول الاكاديمي حميد نجم أن " المكتبات بصورة عامة تلعب دورا كبيرا في تنمية روح الشخص ودفعه نحو القراءة حيث تسهم من خلال ما تمتلكه من معلومات قيمة في تثقيف الانسان مهما كان مستواه العلمي، اضافة الى انها تساهم في حفظ التاريخ البشري وتسجيل الاكتشافات التي يكتشفها العلماء على مر العصور".
وأكد نجم في حديث لموقع الاعلام الدولي، أن " المكتبة ينتفع منها عامة الناس وبالخصوص اصحاب الدخول المحدودة حيث تغنيهم عن شراء الكتب والموسوعات من خلال لجوئهم الى المكتبات بشكل مجاني كذلك تؤمن للطالب العديد من المصادر والمراجع والتي يستطيع توثيقه وهو مطمئن من صحتها وصدقها وهي تعمل على تواصل المثقفون فيما بينهم وطرح النقاشات التي تخدم المجتمع وايجاد الحلول المناسبة".
تقرير: سلام الطائي
تحرير: عامر الشيباني