قبس للثقافة والتنمية .. تسعة مواسم من التوعية الحسينية
حوار مع المشرف على مؤسسة قبس للثقافة والتنمية الشيخ طارق البغدادي
مؤسسة قبس للثقافة والتنمية مؤسسة عراقية غير حكومية تعمل على تعزيز جوانب الثقافة والتنمية في المجتمع العراقي، وذلك بإقامة العديد من البرامج والفعاليات الثقافية والتنموية وفق رؤية إسلامية تستمد منهجها من توجيهات وارشادات المرجع السيستاني (دام ظله).
في الحوار التالي مع المشرف عليها أستاذ الحوزة العلمية الشيخ طارق البغدادي يتحدث عن رؤى المؤسسة وأهدافها.
ــ ما رؤية المؤسسة ومنهجها؟
ــ رؤيتنا أن المؤسسة يجب أن تلتزم بمحورين من العمل. المحور الأول، هو المحور الثقافي والثاني هو التنموي، كون اننا نحتاج إلى ترويج الثقافة الصحيحة وهي الثقافة الإسلامية الصحيحة، لأنه بعض شبابنا، وأهلنا لديهم حالة من الاختلاط في المفاهيم وتداخلها، وقد يتأثرون أحيانا بثقافات أخرى ويعكسونها بطريقة مغلوطة على أنها ثقافة الإسلام أو ثقافة أهل البيت عليهم السلام، لذا نحن في المحور الثقافي. أولا، نؤكد على ترويج الثقافة الصحيحة التي تحفظ الهوية الثقافية الإسلامية وفق مبادئ مدرسة أهل البيت عليهم السلام. ومواجهة الثقافات الغريبة التي تشكل خطرا على هويتنا، وثقافتنا و تفنيد تلك الثقافات و بيان زيفها، لأنها ثقافات بعيدة عن تأكيد القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحقق إنسانية الإنسان. نحن نعتقد ان تحقيق الوجود الإنساني النبيل الحقيقي هو بممارسة منهج أهل البيت عليهم السلام، وأن النسخ الأصلية والأصيلة للإسلام هي مدرسة أهل البيت، (عليهم السلام) لأنهم امتداد لجدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن نعتقد أن أئمة أهل البيت معصومون، وأن الإمامة مستمرة إلى آخر الزمان، إلى آخر يوم في هذه الدنيا، والأئمة عليهم السلام هم عدل القرآن الكريم، كما في حديث الثقلين، وأي ثقافة تنافي هذه الثقافة أي ثقافة أهل البيت (ع) لا نلتزم بها، ولا نراها تشتمل على القيم الحقيقية.
ــ ماذا عن المحور التنموي؟
ــ أن المرجعية تعتقد بأن العراق يمتلك قابليات فكرية وطاقات إنسانية عظيمة، وجليلة في هذا البلد.. طاقات كثيرة. والآن الإحصائيات الموجودة تشير الى أن الشعب العراقي يعد من الصنف الشبابي، باعتبار أن نسبة الشباب فيه أكثر من 50%. ومن هنا، نعتقد أن هناك قدرات وقابليات، ولكنها تحتاج إلى إرشاد وتوجيه من أجل أن تلتزم بهذه الرؤية التي نحملها في الجانب الثقافي، فلذلك في الجانب التنموي نعمل على تطوير القدرات والقابليات المؤهلة من النخب العراقية الثقافية، وخصوصا الشباب، الذين يمتلكون القدرة على أن يقوموا بتعريف هذه الثقافة للآخرين، و لكن نحن نعتقد من خلال دراستنا للوضع العراقي، والشأن الثقافي العراقي أن الأزمة الموجودة في العراق هي أزمة نخب، بمعنى أننا نحن نحتاج إلى أعداد كبيرة من الكوادر والنخب الثقافية التي تلتزم برؤية مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وتعمل على ترويج هذه الثقافة الصحيحة، وتقوم بتفنيد الثقافات الباطلة والفاسدة.
ــ لماذا تركز المؤسسة في أنشطتها وفعالياتها على التواجد في اجواء زيارة الاربعين؟
ــ المؤسسة تعمل على ترويج الثقافة الصحيحة والرؤية السليمة، وفق ما استفدناه من وصايا من سماحة المرجع الأعلى (دام ظله الوارف) التي صدرت في مناسبات عديدة، أن زيارة الاربعين، هذا الموسم العظيم الضخم.. تتواجد فيه اعداد كبيرة من الزائرين فبدل من أن نعقد المؤتمرات والمحاضرات، ثم ندعوا الناس إليها، عندنا هذه الزيارة التي يحضرها الملايين وبناء على ذلك، رأينا أن على المؤسسات أن تحضر في طريق سير الزائرين، ومع توفير خدمات الطعام والشراب والسكن وما شاكل ذلك من خدمات، هناك حاجة إلى الغذاء الفكري والتربوي، والروحي، والمعنوي من أجل أن يستفيد الزائرون من بركات النهضة الحسينية بشكل أفضل، فهذا دعانا إلى أن ندعوا هذه المؤسسة ومؤسسات أخرى الى أن تحضر في الطريق. وتستثمر تواجد هذه الحشود المليونية. ولا سيما نحن نعلم، من خلال بعض الدراسات النفسية، أن الزائرين في هذه المناسبات عادة يكونون في أرقى المراتب الروحية والمعنوية، فحينئذ يكون تلقيهم في أرقى وأعلى مراتب الاستعداد فهنا نستثمر هذه الفرصة في أن نقدم الغذاء الفكري الذي استفدناه من نهضة الحسين عليه السلام، وأكدت عليه المرجعية العليا في وصاياها وتوجيهاتها.
ــ للطفل نصيب وافر من اهتمامكم كمؤسسة فما الدافع لذلك؟
ــ اهتمامنا بالطفل جاء من أمور كثيرة لأن رأينا أن هناك استهداف من جهات أخرى تريد سلب حقوق الطفل. تريد أن تمسخ عقل الطفل وتخرجه من تربيته الإسلامية وهويته الثقافية الصحيحة ومع الأسف هؤلاء يدعون انهم يراعون حقوق الإنسانية وحقوق الأطفال، ولو كانوا صادقين لرأينا انعكاس ذلك في غزة وما يحصل في فلسطين الآن، لكن مع الأسف هذه الوحشية التي نراها والتي تعكس حقيقة الطرف الآخر نحن نرى أن الأطفال يمكن أن يوجهوا إلى الطريق الصحيح. وان يربوا التربية السليمة ولابد من الالتفات الى ان تربية الطفل تبدأ من اختيار الأم الصالحة والتزام الوالدان بالرزق الحلال الطيب، هذه أسرار تربية الطفل. وكل هذه المراحل تبدأ قبل ولادة الطفل ثم في مرحلة الجنين هناك رعاية للطفل كما في روايات الأئمة عليهم السلام والآداب الشرعية المذكورة في كتب الفقه الخاصة بكل مرحلة عمرية من حياة الطفل حتى نضوجه وهكذا الشريعة المقدسة، لم تترك فراغا لاجتهاد المجتهدين، وقد ورد في قوله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، الله هو خلق الإنسان يعرف ما يصلحه وما يفسده لذا لابد من التثقيف لمسألة اختيار الازواج الصالحين لما لذلك من انعكاس على تربية الاطفال وصلاحهم.
ــ ما الانشطة التي استهدفتم بها الاطفال؟
ــ لدينا برنامج (المبلغ الصغير) وهو من البرامج الجديدة في الموسم الثقافي حيث قمنا باختيار مجموعة صبيان من أولاد طلبة العلم من حوزة النجف الاشرف من الذين يعرفون بعض الأحكام الأولية فأخذوا يعلمون الأطفال من الزائرين. كيف يقرؤون سورة الحمد بشكل صحيح؟ وكيف يتوضؤون؟، وكيف يصلون ؟ ويعلمونهم أيضا، بعض الآداب والأخلاق، و كيف يتعاملون مع الأخ؟ وكيف يتعاملون مع آباءهم وأمهاتهم؟ كيف يتعاملون مع أقربائهم أو جيرانهم؟، أو كيف يتعاملون مع زملائهم في المدرسة مثلا؟. وهكذا تتم تربية الأطفال على القيم والأخلاق، وكيفية التعامل والسلوك. فهؤلاء الاطفال يحتاجون الى اهتمامنا، في الحقيقة هدفنا صناعة الإنسان الصالح في مختلف فئاته العمرية فلذلك يوجد عندنا اهتمام بالطفل، كما عندنا اهتمام بالشباب منقطع النظير، عالي المستوى، كما أن هناك اهتمام بالأسرة، هناك اهتمام بالمرأة والأم والبنت والأخت وهكذا.
ــ تولي المؤسسة المرأة اهتماماً بالغاً ..فكيف تنظر المؤسسة الى المرأة.
ــ المرأة تمثل نسبة كبيرة من المجتمع، ولو وجهت توجيها صحيحا، فهي تؤثر على أسرة كاملة بل توثر على مجتمع كاملاً لكونها فاعلة في محيطها العائلي والمجتمعي بسبب التواصل والاحتكاك مع المجتمع، المرأة الآن ليست إنسانا منعزلا عن حركة المجتمع فهي في الجامعة وفي الدوائر الرسمية والمؤسسات الأهلية وفي ميادين كثيرة موجودة ومؤثرة.
ــ لماذا يُتهم الاسلام والمسلمون بتحجيم المرأة؟
ــ في الحقيقة، هؤلاء يدعون وادعاؤهم مجرد مغالطات، فليطلعوا على ما عندنا من أحكام شرعية وحقوق للمرأة سواء كانت بنتا أو زوجة أو أما .. كيف ان لها حقوقا متميزة؟ ومحترمة وهي مقدرة عندنا في الشريعة، الآن مثلا في بعض الاستفتاءات الشرعية كما في منهاج الصالحين لسماحة المرجع السيد السيستاني (دام ظله) وفي استفتاءات متكررة في هذا المجال يؤكد المرجع على الحقوق الزوجية المتبادلة والتفاهم والاحترام والتقدير وكل يتفضل على الآخر بأن يعيش حياة مستقرة هادئة يسودها التعاون وكذا البنت محترمة ومقدرة في بيتها أبوها يراعيها وأهلها يراعوها، فليس في الشريعة تفضيل للرجل على المرأة و اهتمامنا بالمرأة يأتي من أنها مؤثرة في الأسرة ووجودها منتشر في مختلف الميادين فلابد ان تؤدي دورها مع احتفاظها بعفتها وحجابها وحشمتها ورزانتها، والتزامها بالضوابط الشرعية.
ــ ماذا لديكم في حقول الادب والفن؟
ــ نحن نرعى الفنون والآداب في المجتمع الإسلامي ولكن بضوابط شرعية ونرى انها يمكن أن تؤدي دورا كبيرا. لذلك خصصنا مركز من مراكز المؤسسة للفنون والآداب، بمعنى أن يمكن توجيه أو توظيف الرسم. والمسرح والشعر والقصة والتمثيل والفنون المختلفة والآداب المختلفة بحيث تؤدي وظيفة إنسانية تكون شريكة في تربية الإنسان بأدواتها، نعم الفن له أدوات والأدب له أدوات، نحن نستثمر أدوات الفن والأدب ونعلم على توظيفها من أجل بناء الإنسان وخدمة القضية الحسينية وخدمة قضية أهل البيت. فهذه قضايا يجب أن نستثمرها في سبيل أن نؤدي وظيفتنا بأرقى ما يمكن، وأكمل ما يمكن لأنه في الحقيقة الحياة الإنسانية واسعة لها ميادين متنوعة ومختلفة، ونحتاج في كل ميدان أن يكون لنا أداة في التأثير. ونحن نحاول أن نستثمر جميع الأدوات، بكل ما نستطيع.
ــ كيف تنظرون الى الآخر المختلف؟
ــ منهجنا، هو منهج السيد السيستاني، دام ظله الذي يوصي بالتعامل مع الاخرين باحترام وتقدير بمختلف اعتقاداتهم وطوائفهم، سيما اننا في بلد متنوع الطوائف و المذاهب والأعراق، والاعتقادات، نحن نطرح ما عندنا من عقيدة، نعتقد أنها عقيدة صحيحة، وحقانية، ونطرح ما عندنا من قيم أخلاقية ومبادئ إسلامية على وفق مدرسة أهل البيت بشكل معقول ومنطقي ومن دون إثارة الفتنة وبهدوء وبطريقة علمية لا نريد أذى لأحد ولا نريد الأضرار بأحد، بالعكس المرجع السيستاني يوصينا بأن ننشر المحبة مع الجميع وبالتعاون مع الجميع، فهناك مصالح مشتركة. وقد أشار الحديث الشريف ، الوارد عن أمير المؤمنين، صلوات الله عليه: ( الناس الصنفان. اما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)، فنحن هكذا منهجنا، وهو منهج المرجع السيستاني وخطابه هو الخطاب المعتدل والوسطي الذي يحترم فيه الجميع ولا يرضى بإثارة الفتنة ولا يرضى بإثارة الفرقة ونعتقد بعقيدة اصطفاء أئمة للبيت عليهم السلام من قبل الله تعالى ونعرضها بطريقة لا تستفز أحد، وإنما نقول هذه قضيتنا ونستعرضها بأساليب علمية وأدلة وبراهين من دون أن نستفز الطرف الآخر، نعرضها بشكل طبيعي، نحن في بلد اصدرت فيه المرجعية فتوى الدفاع الكفائي فالتزم بتلبيتها الجميع لأن الهدف واحد، وهو الدفاع عن العراق الذي هو بلد الجميع.
ـــ الموسم الثقافي التاسع لزيارة الاربعين بما تميز في هذا العام؟
ــ لدينا40 موقع للعمل الثقافي وتم زيادة 40 موقعا لهذه السنة أي السنة التاسعة ، حيث بدأنا الموسم الثقافي في مدينة الزهراء للزائرين، قبل أن تفتتح هذه المدينة واليوم نحن هنا في هذه المدينة المباركة لتقديم مختلف الخدمات الثقافية والتوعوية.
ــ هل سيكون لديكم انشطة وبرامج خارج البلد مستقبلاً؟
ــ ممكن أن تقوم المؤسسة ببعض الفعاليات خارج العراق، ولكننا منشغلون بقضايا البلد لأن الساحة الداخلية تحتاج إلى العمل المكثف وهي واسعة وكبيرة، ونعتقد أن الأولوية حسب رؤية المؤسسة هو العمل داخل العراق، نعم، هناك تواصل من بعض المؤمنين من خارج العراق وهذا يفرحنا ويسرنا ولكن أولويتنا للعمل هي في العراق.