الزيارة الأربعينية كقوة ناعمة عراقية.. شعائر دينية أم تأثير عابر للحدود؟

لم تعد الزيارة الأربعينية مجرد مناسبة دينية لإحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)، بل تحولت إلى ظاهرة إنسانية وجيوثقافية كبرى تعكس عمق الهوية الشيعية في العراق، وتقدّم للعالم نموذجًا استثنائيًا من التضامن الديني والمجتمعي، جعل منها واحدة من أبرز أدوات "القوة الناعمة" العراقية في العصر الحديث.

أولا: الزيارة الأربعينية في أرقام

تُعد الزيارة الأربعينية أكبر تجمع بشري سنوي في العالم، متفوقة على الحج في مكة أو الكرنفالات الدولية، وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن:

• يبلغ عدد الزائرين سنويا أكثر من 20مليون زائر، من بينهم نحو 5 ملايين زائر أجنبي من أكثر من 70 دولة.

• يتوجه الزوّار سيرا على الأقدام لمسافات قد تتجاوز 600 كم من محافظات جنوب العراق وحتى مدينة كربلاء.

• تُوزع ملايين الوجبات والمياه والخدمات من دون أي مقابل مادي من قبل الأهالي والمتطوعين.


ثانيا: ملامح القوة الناعمة 

1. هوية وطنية جامعة.. فرغم تنوع الزوار طائفيًا وعرقيًا، تسود في الزيارة قيم التعايش والتسامح، مما يُعيد رسم صورة العراق كمجتمع متكافل متآخي، ويمنح الزيارة بعدًا وطنيًا يوحّد تحت راية الحسين (عليه السلام).

2. رسالة دينية عالمية.. يؤكدها حصور الزوار القادمون من إفريقيا، أوروبا، الهند، باكستان، الخليج، إيران، وغيرهم، ويتفاعلون مع خطاب حسيني يُلهم الشعوب في قضايا العدالة، مقاومة الظلم، وصون الكرامة الإنسانية، وهذا ما يجعل الخطاب العاشورائي قابلًا للتدويل، ويمنح العراق موقعًا مركزيًا في "الوجدان الشيعي العالمي".

3. منصة تواصل دولي غير رسمي.. فالعتبات، والمؤسسات الدينية، والمنظمات المدنية تستثمر الزيارة لبناء علاقات مع الوفود والشخصيات، بما يشبه الدبلوماسية العامة، لكن في سياق غير رسمي وذي طابع شعبي.

4. حضور إعلامي واسع النطاق.. فوسائل الإعلام العالمية BBC ، DW، TRT، فرانس 24 فضلا عن عشرات القنوات التلفزيونية ومئات المواقع الالكترونية والصحف والمطبوعات التي تغطّي الزيارة بشكل متكرر في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي عزز من الصورة الذهنية للعراق كمركز روحي عالمي، وكرّس للزيارة باعتبارها مناسبة ذات تأثير دولي.


ثالثا: أبعاد القوة الناعمة

تحمل الزيارة الأربعينية أبعادا متعددة تجعل منها أداة فعالة للقوة الناعمة العراقية، فعلى المستوى الديني، تعزز هذه الزيارة من مكانة العراق بوصفه مركزا روحيا ومرجعيا عالميا لأتباع أهل البيت، ما يمنحه حضورا خاصا في خارطة التدين الشيعي المعاصر. 

أما على الصعيد الاجتماعي، فتجسد الزيارة مشهدا نادرا من التكافل المجتمعي والتطوع الشعبي، حيث تُقدَّم ملايين الوجبات والخدمات المجانية من دون أي مقابل، ما يعكس روح الإيثار والتضامن التي تسود الأجواء.

أما من الناحية السياسية، فتلعب الزيارة دورا غير مباشر في تعزيز نفوذ العراق الديني والثقافي في المنطقة، من خلال استقطاب الزوار من عشرات الدول وتفعيل قنوات الاتصال غير الرسمية مع مجتمعات شيعية مختلفة، مما يفتح آفاقًا للدبلوماسية الشعبية العابرة للحكومات. 

وعلى الصعيد الاقتصادي، تسهم الزيارة في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، من خلال نشاط الفنادق، النقل، التجارة، والصناعات الغذائية، فضلًا عن تنشيط قطاع السياحة الدينية الذي يُعد ركيزة حيوية في بعض المحافظات.

وأخيرا، على المستوى الثقافي والرمزي، تُصدر الزيارة قيما إنسانية مثل الصبر، الشجاعة، العدالة، والتضحية، مستمدة من سيرة الإمام الحسين عليه السلام، لتصل إلى جمهور عالمي عبر وسائل الإعلام والوفود الأجنبية، ما يجعلها مناسبة ذات مضمون كوني يتجاوز الانتماء الطائفي والجغرافي.

الزيارة الأربعينية وبما تحمله من عمق روحي ومضمون إنساني، تمثل فرصة فريدة للعراق لتعزيز حضوره في الوجدان العالمي، وتفعيل أدوات "القوة الناعمة" بعيدا عن منطق الصراع والنفوذ التقليدي. 

إنها رسالة ذات طابع شمولي، تختصر في مبدأ: "الحسين يوحّدنا، ويمنح للعراق بعدا حضاريا إنسانيًا عالميا".

---------------------

المصادر:

1. موقع العتبة الحسينية المقدسة

https://imamhussain.org/

2. تقرير BBC عن زيارة الأربعين

https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2019/10/191020_iraq_arbain

3. قناة DW الألمانية – "كربلاء تجمع الملايين"

https://www.dw.com/ar/زيارة-الأربعين-في-كربلاء-تجمع-الملايين

4. موقع TRT التركي – تقرير مصور عن الزوار الأجانب

https://www.trtarabi.com/issues

المرفقات

العودة إلى الأعلى