المرجع السيستاني والتأثير الإقليمي والدولي
من زقاقٍ متواضع في مدينة النجف المدينة التي لطالما كانت مركزا للحوزة العلمية الشيعية، إلى ساحة التأثير الإقليمي والدولي، يبرز اسم السيد علي الحسيني السيستاني كأحد أكثر الشخصيات تأثيرا في المشهد الديني والسياسي المعاصر ليس فقط مرجعا دينيا بل ظاهرة نادرة تجمع بين الحكمة والتأثير وبين العزلة الاختيارية والصوت المسموع عالميا.
المرجع الذي لا يظهر لكنه لا يغيب، ولد في مدينة مشهد المقدسة وسرعان ما انتقل إلى النجف ليواصل دراسته في الحوزة العلمية ويصبح من أبرز تلامذة المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي و بعد وفاة السيد الخوئي (رحمة الله عليه) برز السيد السيستاني بوصفه المرجع الأعلى لملايين الشيعة في العالم لكنه اتخذ أسلوبا فريدا يميّزه عن غيره: القيادة من دون صخب.
ومنذ تغيير النظام العراقي بعد عام 2003 اتخذ السيد السيستاني موقفا محوريا في حماية وحدة البلاد، وتوجيه العملية السياسية نحو مسارات أكثر شمولا ودعا إلى إجراء انتخابات نزيهة ورفض المحاصصة الطائفية، وشدد على استقلال القرار العراقي عن القوى الخارجية. وفي لحظات الخطر الكبرى لم يتردد في إصدار فتاوى كانت لها آثار مصيرية، أبرزها فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة تنظيم داعش.
رغم كونه مرجعا شيعيا لم يكن السيد السيستاني يوما طائفيا في خطابه أو مواقفه. على العكس طالما دعا إلى التعايش ورفض الاعتداء على الأقليات وأدان كل شكل من أشكال العنف الطائفي. وكان لقاؤه مع البابا فرنسيس في النجف عام 2021 لحظة تاريخية رسّخت مكانته كرمز عالمي للحوار بين الأديان.
ما يجعل السيد السيستاني "ظاهرة" بحق، هو أنه استطاع أن يكون مؤثرا عالميا من داخل غرفة بسيطة في النجف دون أن يمتلك حسابات على مواقع التواصل أو يظهر في مقابلات تلفزيونية. قوة تأثيره نابعة من اتزانه، وعمق رؤيته، واستقلاليته التامة عن أي نفوذ سياسي أو دولي.
وفي الختام في عالم يعج بالضجيج، يظل صوت المرجع السيستاني منخفضا لكنه مسموع. لا يسعى للسلطة، لكنه يوجه من يمتلكونها لا يظهر كثيراً وظهوره للضرورات التي تقتضيها الحكمة والمصلحة العامة، لكنه حاضر في وجدان الناس. لهذا يُجمع كثيرون على أن السيستاني ليس مجرد مرجع... بل ظاهرة عابرة للحدود والزمان.