صيرورة الأجوبة لأسئلة مرئيات "أياد الحسيني"

 

 صيرورة العمل أولا

يرى معًيارنا النقدي أن عملية إنتاج لوحة رسومية لا تتشكل صيرورتها من خلال انسياب حركة الفرشاة، فهي ليست إلا وسيطًا ناقلًا للألوان وفرشها على السطوح. لذلك، فإن مشروع خلق لوحة بَصًرية يتبلور، بلا شك، هناك حيث تتولد الفكرة وتُفرغ محمولاتها أولًا في مخيلة منتجها "المرئي" ليبدأ بمتابعة مخاض ولادتها، وتحويلها من حالتها الحالمة إلى واقعيتها المادية، لتخرج بسمو جمالي قابل للقراءة.


صيرورة الفكرة

ولهذا، لا نرى في كل ما يرسمه الجمالي "إياد الحسيني" رغبة جامحة لإضافة لوحة تسجل رقما لمنجزه، بل نجد في كل مرئية له وجود عملية إفراغ لصيرورة جديدة، تتوالد أسئلتها الوجودية في مخيلة حالمة، يعمل على ترسيم مسامات إجابتها وسرعان ما يستعين بالفرشاة لتشكيل روحها، وتفريغ مدونتها البصرية على التنطع، لتحتوي بيئة سردينها. خاصة وهو في أغلب أعماله يترك عالما متصوفا داخل فضاء لوحته يلوح فيه عن قلق إنسانة السائح في ملكوت الله، باحث عن إجابات لأسئلته الوجودية. وفي كل مرة نجد "الحسيني" يلاحق إنسانه وهو يتجه بعيد ليجتاز حدود اللوحة، فما عاد العالم الذي وراءه قادرا على إنتاج الإجابات الشافية لأسئلته الحائرة، ويكتفي بترك حروفها تستكين على الجدران وتسيح في الطرقات!!!


ذات الصيرورة

عوالم بمناخات رمادية أخذت تتوسع مساحة حلكتها، ليبدوا أمامها إنسان "إياد الحسيني" كهلا، منكسرا تجبره أسئلته المصيرية، الاستعانة بعصاه يتوكأ عليها في رحلة تصوف باحث عن إجابات متناهية لا تنتهي، ليصبح "حلاج" عصره مرددا …

"فعلمي ما قادني قط للمعرفة

وهبني عرفت تضاريس هذا الوجود …

مدائنه وقراه

ووديانه وذراه

وتاريخ أملاكه

الأقدمون

وآثار أملاكه المحدثين

فكيف بعرفان سر

الوجود …

ومقصدي مبتدأ

أمره منتهاه"

هذه "الصيرورات" في الأسئلة الوجودية، لإنسان "إياد الحسيني"، لا شك هي أسئلتنا الذاتية، لم يتوان "الحسيني"، عبر منجزة البصري عن ملاحقة دائمة لها في مرئياته الحروفية، ويسعى في كل مرة المضي بمتابعة استكمال حلم القبض على وهج إجاباتها، ويستفزنا ثراؤها الجمالي لقراءة أفكار إنسانه، ومشاركته حلم القبض على الإجابات التامة. ولأنه لا يرغب بتأطير إجابات لوحاته بمعان ضيقة، فهو يترك صيرورة أسئلتها مفتوحة الأفق، لنستكمل رحلة البحث عنها في عمل آخر، يحاول أن يجمع فيه شتات المعاني الصائبة لإجابات أسئلة أزمنتنا، التي توسعت مدياتها، وتسببت في زيادة قلقنا وانكسارنا...


نهايات الصيرورة

"الحسيني" في تكنيك أعماله لم نجده يستعين بالفرشاة ليحقق رغبة الرسم، بل يتخذها بديلا عن الكتابة الحروفية، ليدون جوانب من حلم صيرورة الأفكار التي يريد الإمساك بمداها البَصّري المتناهي. لكن حدود لوحاته تضيق إلى حد يتصاغر إنسانه داخلها، لذا نراه يدعونا نفكر معه لإيجاد مساحة اخرى لخلاصاته. وينجح دائما في جذبنا لنقترب من سمو عوالم لوحاته نستقرأ جماليات سطورها المتوهجة وان أدركتها الحلكة احياناً.

المرفقات

العودة إلى الأعلى