الشيخ محمد علي كمونة (1200 ــ 1282 هــ / 1776 ــ 1866 م)
الشيخ محمد علي بن محمد بن عيسى الأسدي الحائري، المعروف بـ (ابن كمونة)، من كبار شعراء العراق، ولد في كربلاء من أسرة لها تاريخ عريق في الزعامة والوجاهة عرفت بآل كمونة ويعود نسبها إلى بني أسد وكان عميدها شاعرنا الشيخ محمد علي كمونة.
وقد نزحت هذه الأسرة إلى كربلاء من الكوفة في أوائل القرن الثاني عشر الهجري عندما هاجر الشيخ عيسى ــ جد الشاعر ــ وبرز منها العديد من الأعلام منهم الشيخ مهدي بن محمد بن عيسى الذي تولى سدانة الروضة الحسينية في الفترة (1258 ــ 1272 هـ)، والشيخ الميرزا حسن بن محمد الذي تولى سدانة الروضة الحسينية بعد أخيه مهدي في الفترة (1272 ــ 1292 هـ) ويبدو أن أخويه كانا أكبر منه سنا فلم تصل إليه السدانة فقد توفي بالوباء الذي حل بكربلاء في الفترة التي تولى بها أخوه الشيخ حسن السدانة ودفن في الصحن الحسيني الشريف مع أخيه الشيخ مهدي في مقبرتهم تجاه قبور الشهداء.
قال السيد جواد شبر: (مفخرة الأمجاد وسلالة الأسخياء الأجواد نشأ في بيت الزعامة والرئاسة والوجاهة كان ولم يزل هذا البيت محط رحال الوفّاد ومنتدى العلم والأدب وله الشرف والرفعة والمكانة السامية لدى أهالي كربلاء وكانت بيدهم سدانة الحرم المطهر الحسيني من ذي قبل.
نشأ شاعرنا نشأة علمية دينية أدبية، نظم فأجاد وبرع حتى فاق أقرانه ولأنه يتحدّر من الأسرة العربية الشهيرة وهم بنو أسد الذين نالوا الشرف بمواراة جسد الحسين عليه السلام فهو لازال يفتخر بهم ولأن عدداً غير قليل منهم نالوا السعادة وحصلوا الشهادة يوم عاشوراء بين يدي أبي عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة فهو يتمنى أن يكون معهم ويغبطهم على هذه المنزلة فيقول:
فواحزني إن لم أكن يوم كربلا قتيلاً ولم أبلغ هناك مأربي)
وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (كان فاضلاً مشاركاً في العلوم تقياً محبّاً لآل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) له ديوان شعر جله في الأئمة (عليهم السلام) حكي عنه أنه رأى في منامه الحسين (عليه السلام) وهو يردد:
فمنا المنادي ومنا السميع ... فانتبه وأكملها بقوله:
سَـبـقـنـا فـلا أحدٌ قبلنا سوى من برانا ومنّا الصنيع
فذا الخلقُ منّا إلينا لنا فـمـنّـا الـمـنـادي ومنّا السميع)
وقال عنه أيضا في أرجوزته مجالي اللطف بأرض الطف:
وكأخي الفضلِ محمدٌ العلي أعني ابن كمونةَ ذا الفخرِ الجلي
فـكـمْ لـه من النظامِ الحاكي بـزهـرِه كــواكـــــبُ الأفـــــلاكِ
نالَ علاءً بالحسينِ وشرفْ وحـلّ مــن ولاهُ أرّخ بـغُـــــرَف
وقال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان شاعراً بليغاً أديباً لبيباً فصيحاً آنست الناس أشعاره الرائقة وأسكرتهم بمعانيها ومبانيها الفائقة، درة صدف الأدب والمعالي والعاقمة عن مثله أمهات الليالي، قد شاهدته أيام صباي في كربلاء زمن توقفي فيها واجتمعت معه كثيراً واقتطفت من ثمار إفاداته يسيراً وقد ناهز عمره الثمانين من السنين، وعرضت أول نظمي عليه ، وكان رجلاً طوّالاً ذا شيبة بيضاء مهيباً شهماً غيوراً وكان قليل النظم وأكثر شعره في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان معاونا لأخويه الحاج مهدي والشيخ محمد حسن في تولية خدمة مرقد أبي عبدالله الحسين وسدانة هذه العتبة المقدسة).
وقال عنه عبد العزيز البابطين: (تربّى في بيئة قبيلته العلمية والأدبية، فنشأ على علمائها وأخذ عنهم، وكان الأدب والشعر شاغله الوحيد)
وقال عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي: (ومن بواعث الأسف الشديد أن يعيش هذا الشيخ النابغة قبل قرن من الزمن في كربلاء ثم يموت ولم يعرف القراء وجيزا من حياته ولم يقفوا على شيء من بنات أفكاره حتى اليوم ولقد كان من ألمع الشخصيات الأدبية مبرزا على من عاصره من أدباء كربلاء المجيدين كالحاج جواد بدقت والشيخ عمران عويد والشيخ علي ناصر وجماعة آل الهر وأضرابهم من فحول الشعراء الذين قضت حوادث كربلاء على آثارهم وهجمت أيدي التلف على دواوين أشعارهم ..).
شعره وديوانه
قال الشيخ اليعقوبي: (تصدى لديوان ابن كمونة أحد أحفاده فجمعه وسماه (اللآلئ المكنونة في منظومات ابن كمونة) وهو يناهز الخمسة آلاف بيت وكله من الطبقة العليا، رصين التراكيب حسن الأساليب جمع فيه بين الجزالة والفخامة، ولكنه تلف في إحدى حوادث كربلاء الأخيرة ولم يوجد منه اليوم سوى قطعة صغيرة رأيت فيها بضع قصائد في مراثي الحسين عليه السلام). وقد قام الأستاذ محمد كاظم الطريحي بجمع بعض أشعار ابن كمونة والتعليق عليها في ديوان وطبع في النجف الأشرف.
ويؤكد السيد سلمان هادي آل طعمة بأن هذا الديوان ــ اللآلئ المكنونة في منظومات ابن كمونة ــ الذي ضم كل شعره قد فقد حيث يقول: (ولم يحو هذا الديوان الذي أشرف على جمعه وطبعه الشيخ كاظم الطريحي قصائده ومنظوماته التي نوه عنها في مقدمة الديوان بأنها تناهز الخمسة آلاف بيت كان قد جمعها بعض أفراد آل كمونة بين دفتي مجموعة أطلق عليها اسم (اللالئ المكنونة في منظومات ابن كمونة) ولم يعثر على هذه المجموعة للآن.
ولكن آل طعمة ينوه بوجود هذا الديوان كاملاً مخطوطاً حيث قال: (إن ديوان ابن كمونة نسخة مخطوطة كاملة كانت في خزانة كتب السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة كما ذكره هو في فهرسة كتبه)
أما شعره فقد وصفه اليعقوبي بأنه: (من الطبقة العليا) كما ذكرنا وهذه شهادة من أديب كبير وشاعر فحل دلت على شاعرية ابن كمونة الفذة
ويقول السيد جواد شبر عن شعره: (والشاعر كمونة لم تقتصر براعته وشاعريته على الرثاء فقط وانما طرق أبواب الشعر، فكم له من روائع عرفانية ووجدانية تنم عن ملكة أدبية ونوادر شعرية ...)
وقال عن شعره عبد العزيز البابطين: (نظم على بحور الشعر المختلفة وارتجل عليها، وعدد في أبنيته فخمّس القصائد. لغته سلسة، وتراكيبه محكمة).
وقال السيد سلمان آل طعمة عن خصائص شعر ابن كمونة: (في موضوع شعر الشيخ محمد علي كمونة عنصر مهم استطاع أن يكسب به الخلود ألا وهو (المأساة) وأعني بها مأساة كربلاء أو حادثة الطف المروعة فقد رسم لنا صورا كثيرة من شعره الذي نلمس فيه تفوقه في المعاني وبلاغته في الألفاظ وديوانه مجموعة حافلة بالقصائد والقطع الشعرية ومعظمها آهات حرى ونفثات محرقة سكبها في قصائد قالها في رثاء الحسين بن علي عليهما السلام وإلى جانب ذلك نجد قصائد وقطعا شعرية في شتى الأغراض والمناسبات الأمر الذي يجعل الديوان ذا أهمية بالغة حيث تضمن كثيرا من أغراض الشعر التي تستهوي القلوب وتنتزع الإعجاب فقد وفق في إيراد ألفاظ بليغة ومعاني سامية وأسلوب سهل بديع يجمع إليه العاطفة المتأججة والخيال الواسع، إن معظم قصائد الرثاء تناقلتها ألسن خطباء المنابر الحسينية في ذكرهم للإمام الشهيد ...)
قال من قصيدة تبلغ (28) بيتاً في توحيد الذات الإلهية المقدسة وبيان فضل أهل البيت (عليهم السلام) ويختمها برثاء سيد الشهداء (عليه السلام):
نــورٌ يــلــوحُ وحــكــمــةٌ تـــتــوسَّـمُ وحـقـيـقـةٌ تُـخـفـى وسـرٌّ يـكـتـمُ
ذاتٌ مــقــدّســةٌ تــعــالــى شــأنُــهــا عـن أن يـفـوهَ بـنـعـتِـهـا مُتـكـلّمُ
والــخــلــقُ أســمــاءٌ وآثـــارٌ عــلـى مـعـنـى مـؤثرِها تدلُّ وتـرســـمُ
وصــنــائـــعٌ قــد أحــكِــمــتْ آيــاتُه والله مـتـقـنُ صـنـعِه والمـحـكـمُ
والــكــلُّ مُــفــتــقــرٌ إلــى نــعـمـائِهِ وعـطـائـهِ وهـو الـغنيُ الـمـنـعمُ
وكـأنَّـمـا آيـاتُ آفــاقِ الـــســـمـــــــا لُـسُـنٌ تـعـبِّـرُ دائـمــاً وتـتــرجمُ
إنَّ الـوجـودَ بـنـي الـنـبـيَّ بــكــمْ بدا وبـكـمْ كـما بدأ الوجودُ سيـخـتمُ
وبـسـاطـةُ الـنـفـسِ الـبـسـيـطةِ منكمُ وحقيقةُ الـعـقـلِ الـمُـجـرَّدِ أنـتـمُ
والـجـوهـرُ الـمـحضُ الذي ما شابَهُ عرضٌ فلـمْ يُـدركْ ولـمْ يُـتـوهَّمُ
ومـشـيـئـةُ اللهِ الـتـي ظـهرتْ بها الـ ـحِكمُ الـبـليغةُ والكتابُ المُـحـكمُ
ومـصـادرُ الـقبضِ الذي عمَّ الورى ومـواردُ الـمَـددِ الذي لا يُـحـسمُ
والآيـةُ الـكـبـرى الـتـي بــبـيـانِـهــا لمَنِ اهتدى لم يـبـقَ أمـرٌ مُـبـهـمُ
واللوحُ فـيـهـا الـلـوحُ غير شؤونِكم يجري بـهـا قـلـمُ الـقـضـا ويرقّمُ
قـسـمـاً بـأيـديـكـمْ وأيـديـكـمْ بـها الـ ـقـسـمُ الـتي بيـن الورى تـتـقـسَّمُ
مـسـتـمـسـكُ الـمـستمسكينَ وزادكمْ والعروةُ الوثقى التي لا تُـفـصـمُ
وولاكــمُ الـحـبـلُ الــمـتـيـنُ وحُبُّكمْ سـبـبُ الـتـرقّـي لـلأنــامِ وسُـلّــمُ
وخـزانـةُ الأســرارِ والـسـرُّ الــذي أسـرارُ عـائـبـةِ الــعـلـومِ تُـكــتَّمُ
ومتى خفتْ عينُ الزمانِ بهِ الورى أومـتْ إشـاراتُ الـعقولِ إلـيــكمُ
حـكّـمـتـمُ مـوسـى الــكـلـيــمَ وبعدَه عـيـسـى الـمـسـيـحَ بهذهِ كلـمـتمُ
أمـرٌ لـه الـحـكـمـاءُ قـسـراً أذعـنوا فـتـلجلجوا وعن التفوِّهِ أحـجـموا
فـالله أنـشـأكـم تــعــالـــى شـــــأنُه عِـلـلاً لـيُـعـرفَ والسلامُ علـيـكمُ
ومِن الـعـظـائمِ في الأمورِ قراءتي أمرٌ عظيمٌ جـاءَ أمـرٌ أعــظـــــمُ
يومٌ به الأقـدارُ بـابـنِ زعــيــمِـــها فتكتْ وعاضدها القضاءُ المُبرمُ
يـومٌ بـه انـبـجـستْ دماً عينُ السما وأسـرَّ أنـجـمَـها الـسوارُ المُظلمُ
غـارتْ كـواكـبُـهـا وعُـطّلَ دورُها لـفـتـىً يُـعـجِّـلُ قـطـبَـهــا ويقوِّمُ
والـعـرشُ أوشــكَ أن يــميلَ كتابُه أركــانُــه وأقــيـمَ فـيـهــا الـمأتمُ
كـادتْ لـه الأفــلاكُ فــي مـلـكوتِها مـن دهـشـةٍ أن لا يـفــوهَ بها فمُ
يـومٌ دهـى الـبـيـتَ الـحـرامَ مُحرَّمٌ فـنـعـى المحلّ بها وناحَ المُحرمُ
وقال من قصيدة في النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) ورثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (79) بيتاً:
تـجـلّـــى عـــلـــيـهِ الله جـــلَّ جـــــلالُه فوارى بـه نــورَ الــتـجـلّي وحجَّبا
وأودعــه صــونــاً حــقــيــقـــةَ ســـرِّه وصــانَ بــهِ عــلـمَ الــغـيوبِ فغيَّبا
ومَـــدَّ رواقـــي ظــلّــه فـــــي رواقِــهِ فـــخـــيَّـــمَ ظــلُّ اللهِ فــيــه وطــنّبا
وغــشّــى بــمــا غــشّــى أشــعةَ نورِهِ حــــذاراً بـأن يغشى العيونَ فتذهبا
فــهــــذا هوَ المشكاةُ في كــلِّ وجــهـةٍ تــرى منه مصباحاً يضيءُ وكوكبا
فـيـا مـدلــجَ الــوجـــــناءِ والليلُ حالكٌ سلكتَ بها الأهدى إلى الرشدِ مذهبا
إذا مــا تــراءى ســفـــحُ أعلامِ يثربٍ ولاحَ لـديـــهــا مــسجدُ الفتحِ من قبا
تـرجِّـلْ فـمـا الـوادي الـمـقـدَّسِ بالذي يــضــاهــي وإن حازَ التقدّسَ يثربا
وأنّـى يـضـاهـي مــرقــداً ضـــمَّ علّةً بـــهـا كـلُّ مـعـلولٍ مِن اللهِ ســــبَّــبـا
حـوى مـن إلـيـهِ اللهُ أدنــاهُ رفــــعـــةً وقـــرَّبـه مـن قابِ قــوســيــنِ أقربا
وأوحـى إلـيـهِ مـــا أرادَ بــخـلــقِـــــه فـبـلّـــغ مـا أوحــى إلــيـــهِ وأعــربا
فـهـذا زعـيـمُ الــرســلِ والـرسلُ نبَّؤٌ عــن اللهِ مـا يُــمــلي عليها مـن النبا
هوَ المصدرُ الفيَّاضُ والفيضُ صادرٌ بـإمــدادِه يــنـهـلُّ لـلـخـلــقِ صـــيِّـبا
صـفـا فـاصـطـفــاهُ ذو الجلالِ لنفسِه ونــزَّهــــه مــن كـلِّ ريــبٍ وهـــذّبا
فـلـيـسَ لـذي لـبٍّ سـبـيــلٌ لــنــعــتِهِ وإن صــعَّــدَ الــفــكرَ السليمَ وصوَّبا
فـعـفِّــرْ بـمـثـواهُ جـبـيـنَــكَ مُـدركــاً مــن الــمــجـدِ أنهى ما تمنَّيتَ مطلبا
وقال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (19) بيتاً تعد من أروع قصائده:
تــقــاصــرتْ دونَ أدنـى شأوِكَ الشهبُ وشـامخاتُ العُلى والمجدُ والرتبُ
وقُــدّســتْ ذاتُـكَ العلياءَ واحــتــجــبـتْ عـن الـعـقولِ فلا يرقى لها الطلبُ
تـرومُ أوصــــافَـــــكَ الآراءُ قــاطــبــةً أنّـى ومن دونِها الأستارُ والحجبُ
فـكـمْ تـعـرّضـهـا قــومٌ ومـا بــلــغــــوا مـنها المنى وقُصارى نعتهمْ تعبُ
وكـمْ تـطـلّـبـهـا ذو الــعـلـمِ فـامـتـنعتْ عـن الـمـنـالِ ومسَّ الطالبَ اللـغبُ
جــاؤوا بـكـلَّ صـنـاعـاتِ الـعقولِ فما فـازتْ بـضـائـعُهم بالربحِ فانقـلبوا
فـلـيـغـضضِ الطرفَ عمَّا ليسَ يدركه وليربعِ القومُ قـد شـقَّ الـذي طـلبوا
تـاهـتْ بـنـعـتِــكَ أفــواهُ الورى فحكتْ عن بعضِ معناكَ لكنْ فاتها الشنبُ
مولايَ حسبي من الدنيا هواكَ وفي الـ أخـرى لـعـفـوكَ بــعــدَ اللهِ أرتـقبُ
ولاكَ غــايةُ آمــالــي ومُـعـتـمـــــــدي بـه نـجـبـتُ وآبــائي بـــه نــجــبوا
هواكَ لـيــلايَ لا أبــغــي بــــه بـــدلاً بـهـا رغــبـتُ وعنها معشرٌ رغبوا
وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام):
الأمُ على من خـصَّه الله في العلى وصـيَّره في شربِ كوثرِه الساقي
وزيَّـن فـيـه العرشَ فانتقشَ اسمُه على جبهةِ العرشِ المعظّمِ والساقِ
وأودعَ مـن عــاداهُ نــارَ جــهــنـمٍ فـخـلّـدَ فـي كـفّـارِ قـــومٍ وفُــسَّـاقِ
لـهـمْ مـن ضـريـعٍ مـطعمٌ ومواردٌ إذا وردوها مــن حـمـيـمٍ وغسَّاقِ
أمـا إنـنـي اكــتــرتُ ذنــبــاً وإنَّـه سـيـبـدلُ أحـمــالـي بعفوٍ وأوساقي
غداةَ أرى صحفي بكفّيه في الولا يـنـسِّــقُ مـنــهـا زلّـتــي أيَّ نسَّاقِ
وأنـظـرُ لــوَّامي تـدعُّ إلـى لـظـىً فـيـسـقـط مُـنساقٌ على أثرِ مُنساقِ
تقصَّدتُ لفظ الساقِ في ذكرِ نعتِهِ لأنـجـو إذا ما التفّتِ الساقُ بالساقِ
وقال من قصيدة في رثاء أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (46) بيتاً:
مَن ذا دهى مضرَ الحـمـرا وعـدنـانا وســام أقـمـارَهــا خــسفاً ونقصانا
ومَـن أزالَ لـويّــاً عـــــن مــراتــبِـها من بعدِما طاولتْ في الشأوِ كيوانا
مَن سامَ أُمَّ القرى ضيـماً وزعزعَـهـا مـن هـدَّ لــلــديـنِ والإيمانِ أركانا
ومَـن أصـابَ قــريـشاً بـابنِ بـجـدتِها وشـيـبـةُ الـحـمـدِ مـن أقـذاهُ أجفانا
مَن ذا أفــاضـتْ بــه الـدنـيا غوائلها وحـكّـمـتْ فـي قضايا الناسِ أوثانا
ضـلّـتْ ضـلالاً بـعيداً عن هـدايـتِـها واسـتـبـدلـتْ سـفهاً بالربحِ خُسرانا
أقصتْ قصياً ونـحَّتْ هــاشـماً وأبتْ إلّا الـضـلالَ وأدنــتْ مـن لــه دانا
وحاربتْ أحمدَ الـمـخـتــــارَ خيرتَها واسـتـأصـلـتْ فــرعَه شيباً وشبَّانا
وأضـمـرتْ لــعلــيٍّ حـيثُ طـلّـقــهـا حقـداً ولـلـبضعةِ الزهراءِ أضغانا
وجرَّعتْ حسناً من صابِها غصـصاً غصَّــتْ بــه لهواتُ الدهرِ أشجانا
وجهَّزتْ لــحـسـيـنٍ جـنـدَها وعـدتْ عـلـيـهِ حـتـى قضى بالطفِّ ظمآنا
وفـرَّقــتْ آلــه مــن بــعــدِه فــرقـــاً فـي كـلِّ نــاحـيـةٍ مــثـنىً ووحدانا
نــوازحــاً فـكـأنَّ الــبــيــنَ وكَّــلــها بـأن تـجـوبَ الـفـلا سهلاً وأحزانا
لـم أنـسَ زيـنـبَ بعدَ الخدرِ حـاسرةً تُـبـدي الـنـيـاحـةَ ألــحـانــاً فألحانا
مـسـجـورةَ الــقـلـبِ إلّا أن أعـيـنَها كالمعصراتِ تصوبُ الدمعَ عُقيانا
تـدعـو أبـاهـا أمـيـرَ الـمـؤمـنينَ ألا يـا والـدي حـكـمـتْ فــيـنا رعايانا
إن عسعسَ الليلُ وأرى بذلَ أوجهِنا وإن تـنـفّـسَ وجـهُ الـصـبـحِ أبدانا
نـدعـو فـلا أحــدٌ يـصـبـو لــدعوتِنا وإن شـكـونـا فـلا يُصغى لشكوانا
قُـم يـا عـلـيُّ فــمـا هـذا القعودُ وما عـهـدي تغضُّ على الأقذاءِ أجفانا
عـجِّـلْ لـعـلّـكَ مـن أسـرٍ أضــرَّ بنا تــفــكّــنــا وتــولّــي دفــنَ قـتلانا
وتـنـثـنـي تــارةً تــدعو عــشـيرتَها مـن شـيـبـةِ الـحمدِ أشياخاً وفتيانا
قوموا غضاباً من الأجداثِ وانتدبوا واسـتـنـقذوا من يدِ البلوى بقايانا
وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (44) بيتاً:
للهِ طــائــفــةٌ بــعــرصـــــــةِ (كربلا) بـفـنـائـهـا طـافَ الـبقا بصفائها
فـئـةٌ أبــاةُ الــضـيـمِ تــــدري أنّـــهـــا ورثت إباءَ الــضـيـمِ مـن آبائها
هــاجـتْ بـهـا عـزمـاتُـهـا فـتـزاحمتْ بــإزائِــهــا الأقـدارُ تحتَ لوائها
فـكـأنّـمـا أجــرتــه أحــكــامُ الــقـضـا وجرتْ به الأقدارُ عن إمضائها
وقـواعـدُ الإيــمــانِ عــن إِيــمــانِـهـا تـنـبـيـكَ أنَّ بــهــا قـــوامُ بـنائها
ولَـكَـمْ لـهـا فـي كـلِّ عــلــمٍ غـامضٍ عـيـنٌ تـولّـى الله كـشفَ غطائها
نـظـرتْ إلى الملكوتِ فاشتاقتْ لِـمَن فـي عـالمِ اللاهوتِ من نظرائها
خاضتْ غمارَ الحتفِ حتى خُضِّبت دونَ ابـنِ فـاطـمـةٍ بفيضِ دمائها
فـكـفـى بـهـا فـخـراً لـهـا وكـفـى به ذخــراً أعـــدّتـــه لــيــومِ جزائها
وقال من أخرى تبلغ (23) بيتاً:
هجمَ الشركُ على رحلِ الـنـسـاءْ فانطوي حزناً ومُوري يا سماءْ
هـتـكـوا أيَّ حــجــابٍ لـلـرسولْ واسـتباحوا حرمَة الطهرِ البتولْ
عـجـبٌ قـد أبـهرَ العشرَ الـعقولْ ســلـبُ نـسلِ الغيِّ نسلَ الأنبياءْ
بـعـدما قد نهبوا ما في الـقـبـابْ سَلبـوا تلكَ الـمـقـاصـيـرَ الـثيابْ
غادروا جسمَ حسينٍ في الترابْ ثمَّ سـاقـوا أهـلـه سـوقَ الإمـــاءْ
عـلـمـوا أي نــســـاءٍ وبـــنــاتْ عـنـدمـا قـد هـجـمـوا للحجراتْ
لو رســولُ اللهِ فــي قـيـدِ الحياةْ قـعـدَ الــيــومَ عـلـيـهـمْ لـلــعزاءْ
وقال من أخرى تبلغ (29) بيتاً:
بعدَ ابنِ فاطـمـةٍ الأمُ عـلى البكا ولو أن دمـعـي بالـدما يتصبَّبُ
بـأبـي قـتـيـلاً بالـطفوفِ وقلَّ لو كان الـفـداءُ له نـزارُ ويـعـربُ
بـرٌّ بـــرى الـهـنـديُّ مـنه وتينَه وعلى السنانِ له كــريمٌ ينصبُ
بـرحٌ يــعـاودنــي إذا مــثّــلــتـه والخيلُ تطفو بالـقــتامِ وترسبُ
بادي الحشاشةَ باسمٌ في موقـفٍ وجهُ الـمـنـونِ بـجانبـيهِ مُقطبُ
بـهـمُ يـجـلـيـهـا سناً من وجـهـهِ فـرحـاً يـناجزُه الكريـهةَ موكبُ
بطلٌ يطاعنُ مـن عـزائـمِ بـأسِهِ لدنٌ ويشحذُ من مضـاهُ مقضبُ
بهرَ البصائرَ منه جأشٌ لم يرع يوماً وليسَ من الـمــنـيةِ يرهبُ
بـأسٌ تـحـاذرُه الأسـودُ ومدركٌ لـمْ يـنـجَ مـنـه إذا تـطلّعَ مهربُ
بـدرتْ إلـيـه عـصـابــةٌ لـقـتـالِهِ أو سلمه والموتُ مـن ذا أقربُ
بـرقوا ببارقةِ النصولِ وأرجفوا من لا يـزولَ إذا تزايلَ أخشبُ
بـدريّـة الـحـقـدِ الـقـديمِ وما لهمْ بسوى تراثِ الشركِ ثأرٌ يطلبُ
باعوا بصائرَ دينهمْ وشروا بها خسراً يدومُ وما كذاكَ المكـسبُ
بـعـدوا كـمـا بعدتْ ثمودُ وإنّهم كـعـدوِّ عـادٍ بـلْ أشـدُّ وأصـعب
بـاؤوا بـقـتلِ ابنِ النبيِّ وما لهمْ آبـوا وعـن نـهجِ الرشادِ تنكّبوا
بـكـيّـتَ يـا يومَ الحسينِ عيونَنا حُـزنـاً عـلـيكَ فكلُّ عينٍ تسكبُ
بـاقٍ مـدى الأيامِ حزنُكَ لم يبخ وجـدٌ ولا يـمُّ الـمـدامـعِ ينضبُ
وقال من أخرى تبلغ (58) بيتاً:
وعرِّج بها يا عمركَ الله قــاصـــــداً متالعَ وادي الطفِّ مأوى النوائبِ
وسلْ يا رعــاكَ الله عـني عراصَها عـن الـسادةِ الأمجادِ من آلِ غالبِ
كـرامٌ بـهـمْ قـامَ الــوجــودُ وطـوَّقوا رقابَ بـنـي الـدنـيا ببذلِ المواهبِ
سـجـيّـتـهـمْ بـذلُ الـنـفـوسِ وعندهمْ شـرابُ الـمـنايا مــن ألذّ المشاربِ
إذا فاضتِ الهيجاءُ خاضوا عـبابَها على صهواتِ العاديـاتِ السلاهبِ
وصالوا بـبـيـضٍ مـرهـفـاتٍ كـأنّها بروقٌ تجلّتْ مـن خـلالِ السحائبِ
فما جرَّدتْ في الحربِ ألّا تـناهبتْ مضاربُها أرواحَ أسْــدِ الـكـتـائـبِ
كأنّي بهمْ والجيشُ قـد طـبَّق الفضا بـسمرِ الـقنا والبارقـاتِ القواضبِ
يصولونَ كالأسْدِ الضواري فينثني لـهـامُ الأعـادي هـارباً إثرَ هاربِ
يذودونَ عن حامي الذمارِ ورهطِه وعـن آلـهِ الأطهارِ شـرَّ عصائبِ
ولـمّـا قـضـوا مـنهم لباناتِهم قضوا وخـرُّوا لشكرِ اللهِ فـوقَ السباسبِ
وقال من أخرى تبلغ (60) بيتاً:
لـقــومٌ طـلـقـوا الـــدنــيــا وسارت بهم مـن يـثربٍ للطفِّ ركبُ
يـؤمــهـمُ إمــــامــــهـــمُ وتــــقــفو سـبـيلَ نتـيجةِ الأنجابِ نُجبُ
فعـرسٌ في مـغاني الطفِّ غير الـ ـمسيرِ بهـمْ وقامَ هناكَ حربُ
وسُعِّـرتِ الـوغى فعدتْ عـلـيـهـم كـتـائــبُ كـلها كفرٌ ونـصـبُ
ألا بــأبـي كـــرامـــاً مـــن لــؤيٍ أكـفُّـهـمُ بـعـامِ الـجدبِ سُحبُ
يــرونَ شـــرابَ يــومِ الـسلمِ مرَّاً وعندهمُ عذابُ الحربِ عذبُ
سَــلِ الــهـيـجـاءَ كـمْ ولّــى لـهامٌ مـخـافتهمْ وحشو حشاهُ رعبُ
وكمْ خـاضوا عبابَ الموتِ شوقاً وعاموا في لظى حربٍ تشبُّ
وكـمْ ذلّــت لــسـطـوتِـهم صعابٌ حذاراً وانقيادُ الصعبِ صعبُ
وكـمْ لـســيوفِهـمْ خضعتْ نفوسٌ كـأنَّ سـيـوفَـهـم للموتِ حزبُ
فـكـانَ لــهـا ولــلـسـمـرِ العوالي بـأفـئـدةِ الأســودِ الـربــدِ لعبُ
فـكـــمْ لـلـوحـشِ والـعـقبانِ منها ومن جاري الدما أكلٌ وشربُ
فـحـــدّث عـن مـزايـاهـمْ وكرِّرْ وجـانبْ ما روى عمرٌ وكـعبُ
إلا بـــأبـي وغـيـرِ أبـي كــمــاةً لـهـمْ عـن حـوزةِ الإسـلامِ ذبُّ
يـــذودونَ العدى عن هتكِ بيتٍ عـلـيــه من جلالِ اللهِ حــجــبُ
ومُــذ وافى قـضـاءُ اللهِ شــوقــاً عـلـيـهـمْ كـي يـنـالـوا ما أحبّوا
تـــهـاووا سُــجَّـــداً للهِ شـــكــراً ولـيـسَ عـلـى قضاءِ اللهِ عتبُ
قضوا دونَ الحسينِ ظماً فكانوا بـحـوراً لا يـمـرُّ بـهــنَّ نضبُ
فـتـلكَ جسومهمْ صرعى عليها خــيــولُ أمـيــةٍ راحــتْ تـخبُّ
وقال من أخرى تبلغ (32) بيتاً:
أصبحتْ آلُ عليٍّ فـي الـسـبا أيـنَ عـنـها اليومَ أربابُ الأبا
أيـمـنُ الـسـاعـدِ والسيفُ نبا وجوادُ الـسـبـطِ والـدهـرُ كـبـا
فهوى وانـقـضَّ عن صهوتِه وقضى خامسُ أصحابِ العبا
خرَّ والدينُ على وجهِ الثرى فـغـدا والـديـنُ نـهـبـاً لــلـظـبا
وبـرى شـمـرٌ طلاهُ فـجـرى دمُـه حـتـى طـلا وجـهَ الرُّبى
فأثارَ الكربَ في وجهِ السما عُـثيرُ الأرضِ فـوارى الشهبا
ونعي الكـرسيُّ والـعرشُ له ومـن الــحزنِ عليه اضطربا
فــكــأنَّ الــفزع الأكـبـرَ قــد حـلَّ والــوعـدُ دنـا واقــتـربا
وعــلــيــهِ الـفلكُ الدوَّارُ من أوّلِ الــدورِ انـحنى واحدودبا
وبكاهُ عِــوضَ الــدمــعِ دماً مــثـل جـاري دمِــهِ مُـنـسـكبا
والـثـرى لـو لم يوارِ جسمَه لــدعـاهُ عـاصـفُ الـريحِ هبا
يا قــضاءَ اللهِ والموتُ الذي ما قضى الموتُ عليهِ لو أبى
وهــمـاماً أروعاً من بأسِــه لـهـواتُ الـدهـرِ غصَّتْ رهبا
لم يغالْب مثلَ محتومِ القضا جـمـع الأقـــدارِ إلّا غـــلــبــا
وفـريـداً أدركَ الــكــفـرُ بهِ وبــنــيــهِ مُــنـتـهـى مــا طلبا
بعد ما غصَّ به الكونُ ندىً غـصَّ نـدبـاً وعـلـيـه انـتـحبا
وقـتـيـلاً بعد ما روَّى الظبا قـطّـعـتـه بـشـبــاهـــــــا إربا
وقال من أخرى تبلغ (48) بيتاً:
مــا لـلـزمــــانِ لــم يــزلْ يــعــبــثُ بــالأطـايبِ
فـكـمْ لــه مـــن وقـــعــــةٍ بـغــلــبِ آلِ غـــالــبِ
حـيـث الــحــســيـنُ قادها شوقاً على الـسـلاهبِ
لـخـوضِ تـيَّـــارِ الــرّدى ومـــوردِ الـــحــرائبِ
رمــاحُــهــم شـــواجــــرٌ كـالـشُّـهِــبِ الـثـواقـبِ
يـنـصـبُ عــن حـــرابِها سوط العذابِ الواصبِ
مـن كـلِّ مغوارٍ عــن الـ ـغــارةِ غــيــرِ راغـبِ
فـي الـحـربِ غـيرِ ناكلٍ فــي الـكرِّ غيرِ نــاكبِ
يـلـوي غــرارُ عــزمِــه ألــويــــةَ الـكـتــــــائبِ
يـرى مـشـاربَ الــرَّدى مــن أعـذبِ الـمشاربِ
دونَ الـحـسـيـنِ عــلّةُ الـ إيـجـادِ ذي الــمـــنـاقبِ
حـتـى قـضــوا بـجهدهمْ حـقَّ الـجـهادِ الواجــبِ
وكـابـدوا عــلـى ظـمــا حــرارةَ الــقــواضـــبِ
غداةَ غصَّ الرحبُ بـالـ ـبـيـضِ وبـالـقــعاضُبِ
فـاخترقَ الصفوفَ شبـ ـلُ المرتضى بالقاضبِ
مـنـتـهـبـاً أرواحَـــهــــا فــديــتُــه مــن نــاهـبِ
فـصـوَّبــتْ هــامــاتِــها كـصـيِّــبِ الـسحــائـبِ
وذكّـــرَ الــقــومُ أبـــــا هُ مـظـهـرَ الــعـجائــبِ
كــأنّــمــا الــموتُ لديـ ـهِ لـــذةٌ لـــلـــشــــاربِ
والــقــومُ بــيـــنَ عافرٍ ثــاوٍ وبــيــنَ هـــاربِ
مــحــامــيــاً عن دينهِ وآلـــــــه الأطـــائــــبِ
وقـلــبُـــه مـــن الظما مــثــل شــواظِ اللاهبِ
وقال:
لا تحسبنَّ السبط قد شطّ عن وردِ وريديِهِ الفراتَ العبابْ
لـكـنّـــه أمــســكَ عـن وردِهِ حـيـنَ رآهُ مــورداً لـلـكلابْ
أبــاهُ لــمّــا كـدَّرتْ صــفـوَه مـعاشرٌ باءتْ بسوءِ العذابْ
وقال:
أرسِــلَ طــه مـــنذراً للورى والهادي المخلوقُ من طينتِه
أعني عليَّ الطهرَ من أنزِلت فـيـهِ لإبــراهــيـمَ من شيعتِه
وقال من قصيدة تبلغ (52) بيتاً في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) ومنها يستنهض الإمام الحجة المنتظر (عليه السلام):
أمـامُ الـقـائـمِ الـمـهديِّ شمسٌ الـ ـمـعـالـي بدرُ دائرةِ الصلاحِ
هـوَ الـقـطـبُ الـذي دارتْ عليهِ بـهِ أفــلاكُ أُفــقِ الإفــتـتــاحِ
وبـحـرٌ تـسـتـمـدّ الـسـحـبُ منه وتـسـتـجـديـهِ أمـواجُ السماحِ
مـتـى يـأتـي فـنسعفُ في زمانٍ نـبـيـتُ بـه بـأفـئـدةٍ صـحــاحِ
تـحـفُّ بـه الـكـتـائـبُ مـن لويٍّ كـرامِ الـخـيــمِ ترفلُ بالسلاحِ
يـؤمُّ الـخـضـرُ مـوكـبَـه فـيدعو كـعـمـارٍ هـلّـمـوا لـلـــــرواحِ
ويـتـلـوهُ رجـــالُ اللهِ حــــتـــى يـغـصُّ بـجيشِه رحبُ البطاحِ
وبـيـنَ يـديـهِ روحُ اللهِ عــيسى ينادي الـناسَ حيّ على الفلاحِ
فتُحيا الأرضُ بعد الموتِ حتى تميسُ هــوىً وتبسمُ عن أقاحِ
ويـمـلأ رحـبَـها قـســطاً وعدلاً ويمحو ظـلمةَ الـجـورِ المُتاحِ
ألا يــا غــايــةَ الآمــالِ يـا مَن به سلكَ الـورى سُبلَ الـنـجاحِ
إليكَ الـمـشتكى من جورِ دهـرٍ أبـى إلّا مــسـاعــدة الـشـحاحِ
وقال من قصيدة من أروع قصائده وتبلغ (70) بيتاً:
عرا فاستمرَّ الخطبُ واستـوعبَ الدهرا مصابٌ أهاجَ الكربَ واستأصـلَ الصبرا
وطـبَّــق أرجــــاءَ الــبـسـيــطـةِ حــزنُه وأحـدثَ روعــاً هــولـــهُ هــوَّنَ الـحشرا
وجـاسَ خــلالَ الأرضِ حــتـى أثـارها إلـى الـجـوِّ نـقـعـاً حجَّبَ الشمـسَ والبدرا
ومـارتْ لـه حــتـى الــسـمـاءُ وزُلـزلتْ لـه الأرضُ وانـهـدّتْ أخــاشــبُـــها طرّا
وغـيـرُ عـجــيـبٍ أن تــمــورَ لـه السما ومـن أوجِـهـا تهوي النجومُ عـلى الغبرا
غـداةَ تـجـلّــتْ لـلـكـفـاحِ عـــصــــابـــةٌ لـهـا الـنسبُ الوضّاحُ من مضـرِ الحمرا
عـدتْ إذ أعـــدّتْ آلُ حـــربٍ لـحـربِـها كـتـائـبَ ضـلّـتْ رشــدَهـا وعــتتْ كبرا
وحـيـثُ الــتـقـى الـجمعانِ والسبط قائمٌ يـذكّــرهـا فـي بـطـشِـه البـطشةَ الكبرى
يـكـافـحُــهـا والـحـربُ تــــرسي جبالها فـتـنـدكُّ مـنـه حـيـن يـنـظــرُهـا شــزرا
أراهُ وأمــــواجُ الــهــيــاجِ تــلاطــمــتْ يـعــومُ بـهـا مـسـتـأنِــســاً بـــاسماً ثغرا
يـحــيّـي الـظـبـا طـلـقَ الــمــحـيَّا كأنّما تـحـيـيـه إذ تـسـتــلُّ لـلضـربِ بالبشرى
ولــو لـم يـكـفـكـفـهُ مــن الــفـتـكِ حلمُه لـعـفّـى ديــارَ الشركِ وأستأصـلَ الكفرا
ومــن عـجـبٍ يـشـكــو الأوامَ وقــلــبُـه جـرى مـن خــلالٍ فــجّـرتــه القنا نهرا
ولــمّـا تـجـلّــى الله جــــــــلَّ جـــــلالُـه لـه خــرّ تــعـظـيـمـاً لـه ســاجـداً شكرا
هــوى وهــو طــودٌ والــمواضي كأنّها نـسـورٌ أبـــتْ إِلا مــنــاكـــبَـــــه وكـرا
هــوى كـوكباً وانقضَّ للأرضِ جوهراً ومـا شـابـتِ الأعــراضُ طــلـعته الغرّا
وأعظمْ بخطبٍ زعزعَ العرشَ وانحنى لــه الــفــلــكُ الـــدوَّارُ مــحدودباً ظهرا
غــداةَ أراقَ الــشــمــرُ مـن نـحرِهِ دماً لـه انـبـجـســتْ عـينُ السـما أدمعاً حمرا
فـيـا لــدمــاءٍ قــد أرِيــقـــت ويــالـــــه شجىً فتَّتَ الأكبادَ حـيـث جــرتْ هـدرا
وإن أنــسَ لــم أنــسَ العوادي جوارياً ترضُّ القرى من مصدرِ العلمِ والصدرا
ولــم أنــسَ فــتـــيــانـــاً تنادوا لنصرِهِ ولــلـذبِّ عـنـه عـانـقـوا البيضَ والسمرا
رجــالٌ تـواصوا حيث طابتْ أصولهم وأنـــفـسُـهـم بـالصبرِ حتى قضوا صبرا
ومـا كـنـتُ أدري قـبـل حملِ رؤوسِهم بــأنَّ الـعـوالـي تـحـمـلُ الأنـجـمَ الزهرا
حـمـاةٌ حـمـوا خـدراً أبـى الله هــتـــكَه فــعـظّـــمــه شـــأنـــاً وشـــرَّفـــه قــدرا
وقال من أخرى تبلغ (55) بيتاً:
متى فلكُ الـحـادثــــاتِ استدارا فغادرَ كـلّ حــشىً مُستطارا
كـيـومِ الـحـسـينِ ونــارُ الوغى تصاعدَ لـلـفرقدينِ الـشـرارا
فـلـمْ تــرَ إلّا شهـــابـــــاً ورى وسهماً بنقـعِ الـمـنـايا توارى
إلـى أن أطـــلَّ بــهـــا فـــادحاً تـزلـزلَ مــنـه الوجودُ ومارا
وعادَ ابن أزكى الورى محتداً وأمـنـعُ كـــلَّ الـبـرايـا جوارا
تجولُ على جسمِه الــصافناتْ وتكسوهُ من نقعِها ما استثارا
فـيـا ثــاويــاً يــمــلأ الـكائناتْ عـلاً ويــضيءُ الوجودَ منارا
ويــا سـابـقـاً قــد دهــاهُ العثار فـلـيـتَ العثارُ أصابَ العثارا
فـكـيـفَ وأنــتَ حــســامُ الإله تـفـلّـلُ مـنـكَ الـمـنـايا غِرارا
وتدعو وأنتَ حمى الـمستجيرْ فيعيا عليكَ الـورى أن تُجارا
وتستسقيَ من لفحاتِ الـظـمـا فتُسقى من الـمـشرفيِّ الغرارا
وتـبـقـى ثـــلاثــاً بـديـمـومــةٍ معرىً بجرعـائِـهـا لا تُوارى
فكيفَ يُـعـفِّــرُ مـنكَ الصعـيد مُـحـيّـاً بـه الـمـلـكوتُ استنارا
وصـدرُكَ عـيـبـةُ عـلـمِ الإله يـعـدُّ لـخـيـلِ الأعــادي مَغارا
فـذلـكَ أجـرى دمــوعـي دماً وأوقـدَ مـا بـيـنَ جــنــبيَّ نارا
أتـسـري وأنَّكَ مأوى الأسير بـنـاتُـكَ فـوق الـمطايا أسارى
تـجـوبُ بـهـا مـربـعاً مربعاً وتـجـتـازُ فـيـهـا ديــاراً ديـارا
وقال من أخرى تبلغ (48) بيتاً:
دع الـمـطـايـا تـجـوبُ البيدَ في السحرِ وعُجْ بربعِ أبيِّ الضـيمِ من مُضرِ
أعـنـي الـغـريَّ ومـن قـد حـــلَّ دارته مولى الورى نفسُ طـه سيِّدِ البشرِ
عـيـنُ الإلــهِ الــتــي لـلـخــلـقِ راعيةٌ وأذنُـه جـلَّ عـن سـمعٍ وعن بصرِ
وآيـةُ الـمـلـكِ الــعـظـمـى لـنـاظـــرِها نـعـمٌ بـلِ الـحـجةِ الـكـبرى لمعتبرِ
بحرٌ أمـدّ الـبـرايــا رشـــحَ طــافـحِـه وسـورةٌ عُـلـمـت مــن سائرِ السورِ
لو شـاءَ تـكويرَ ما في الكونِ من فلكٍ يــومــاً لــمــدَّ إلــيـــهِ كــفَّ مقتدرِ
أحـاط فـي كـلِّ شــيءٍ عـلـمُـه فغدتْ مـحـتـارةً فــي عــــلاهُ سـائرُ النذرِ
قـلْ مـا تـشـاءُ بـه يـا سـعدُ مـن مدحٍ ودعْ مــلامَ جــهــــولٍ كـاذبٍ أشـرِ
أنظرْ إلى سائرِ الأكوانِ سوف تـرى كــلّا يــمــدّ إلــــيــهِ كـفَّ مُـفـتـقــرِ
لـه عـلـى الـكـونِ حـقّ فــي رعايته وإنّـه الـنـعـمــةُ العظمى على البشرِ
فـاقـرِ الـسـلامَ عـلـيـهِ ثــــم نـــادِ ألا يـا خـيـــرةَ الله من بدوٍ ومن حضرِ
يا سامعَ السرِّ والنجوى ومن نـزلتْ في بعضِ أوصافِهِ الآياتُ في الزبرِ
يـا عـلّـة الكونِ يا بدءَ الوجودِ ومَن غـدا الــقـضـا طـوعُ يـمناهُ مع القدرِ
انـهـضْ فــديــتُـكَ إنَّ الـسبط منفردٌ صـفـرُ الأنــامــلِ مـن حامٍ ومُنتصرِ
عـلـيـهِ دارَ مـدارُ الحربِ حيث غدا قـطـبُ الــدوائــرِ لــولاهُ فــلـــمْ تدرِ
وحـولـه صحبُه صرعى على كثبٍ مـن الــرمــالِ وهـمْ أبهى من الدررِ
حاموا لعمري على الإسلامِ والهفي لـهـمْ إلـى أن هــووا في أرفعِ الحُفرِ
وبـعـدهــمْ أحــدقـت خيلُ الطغاةِ بهِ بـالـنـبـلِ والــســمـــرِ والهنديَّةِ البُترِ
وقال:
قيلَ ما بالُ السما مصفرةً بعدَ صفوٍ وهي ذاتِ الحُبُكِ
قـلـتُ لـمّا هلَّ عاشورٌ بدا أثـرُ الـحـزنِ بـوجــهِ الفلكِ
والدراري أدمعٌ في وجهِه نـثـرتـهـنَّ عــيــونُ الـملكِ
................................................................................
ترجم له العديد من الأعلام وكتبوا عنه الدراسات والبحوث وألفوا الكتب منهم:
السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة ج 10 ص 8
الشيخ محمد حرز الدين / معارف الرجال ج 2 ص 413
السيد محمد حسن مصطفى الكليدار آل طعمة / مدينة الحسين ج 1 ص 69
السيد سلمان هادي آل طعمة / شعراء كربلاء ج 5 ص 145 ــ 168
الأستاذ عباس العزاوي / تاريخ الأدب العربي في العراق ج 2 ص 329
الشيخ محمد السماوي / الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 635
مجالي اللطف بأرض الطف ص 77
علي كاشف الغطاء / الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 5 ص 136
الشيخ موسى الكرباسي / البيوتات الأدبية في كربلاء ص 543 ــ 548
الأستاذ يوسف عزالدين / الشعر العراقي - أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر ص 127
موسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 8 ص 237
الدكتور داود سلوم / تطور الفكر والأسلوب في الأدب العراقي ص 60
كما كتب عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي دراسة وافية عن حياته وشعره
والأستاذ محمد كاظم الطريحي في مقدمة ديوان ابن كمونة