قالوا في الحسين (عليه السلام) .. الجزء الأول

: محمد طاهر الصفار 2025-01-20 11:05

عندما نشير إلى الأجزاء الكثيرة والكم الهائل من البحوث والاستقصاءات والتحقيقات التي احتوتها موسوعة الشيخ الأستاذ محمد صادق الكرباسي (دائرة المعارف الحسينية)، فإننا لا نعني هنا خلق حالة من الابهار بإبراز الجانب الكمي فقط، والذي يتبجّح به أغلب أصحاب الموسوعات والكتب الآن وهم يجمعونها من (المادة الجاهزة) لزيادة حجمها فقط، فتغيب بَصْمَتُهْم في صفحاتها، وينزوي أثرهم بين طياتها، بل ويتلاشى ظلّهم حتى في أجزائها، بل نعني ــ إضافة إلى الجانب الكمي ــ حضور الكرباسي ــ المؤلف ــ في كل صفحة من صفحات موسوعته فهو يدير دفّة البحث بمهارة الربّان الخبير بأنواء التاريخ واللغة والفقه والعقائد والكلام والأدب والشعر والسير، فيواكب الحدث، ويراقب الحيثيات، ويرصد الشخصيات، ولا يدعها تمرّ دون أن يشخّص ويدقّق ويفحص ويُمحّص برؤية المؤرّخ والناقد والمحقق الذي توفّرت فيه الشروط الكاملة التي يجب أن تتوفر في الموضوع لتشكيل صورة متكاملة عن الحدث والشخصية، ويُخيّل للقارئ لهذه الموسوعة أن يستشعر (الهمس التاريخي) للمؤلف بين ثنايا الكلمات والسطور وكأنه يعيش الحدث ويستمع للحديث ويعايش الشخصية التاريخية، فتتنفس روحه مع الأجواء والأحداث، وتطلع نفسه عليها، ويشرف بنظره على شخوصها، فيفعمها بالتشخيص الدقيق، ويمنحهما الأسباب والصفات والمعالجات والسمات الموضوعية التي تكشف عن الفكرة التي تدور حولها وإبراز الجوانب المهمة منها.

في كتاب (قالوا في الحسين) الجزء الأول وهو الجزء الخامس والثمانون من أجزاء دائرة المعارف الحسينية يوضح الكرباسي في (تمهيده) الغاية من وضع الكتاب وينوّه فيها إلى نقطة جوهرية من خلال استعراضه لـ (نظرة أصحاب الرأي والفكر وأهل الحل والعقد من جميع الأديان والعقائد، والمذاهب والمبادئ وهذه النقطة المهمة هي: (أن نلقي الضوء على آراء هؤلاء ممن لهم مكانة اجتماعية أو دينية أو سياسية لنعرف وقعه عليه السلام عندهم، وليس القصد من ذلك أن نعرف الإمام الحسين بهؤلاء)

فعظمة الحسين ماثلة في الضمير الإنساني، وهي شاخصة بدمه وشهادته وسيرته المعطاء التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، والتي جَسّد فيها مبادئ الإسلام المحمدي الأصيل بأروع صورها وهو يعلن ثورته من أجل تحقيق القيمة الحقيقية للإنسان وحفظ إنسانيته وكرامته.

الحسين هذا السفر العظيم من التضحية والفداء والبطولة والإيثار، ترك هذا الإرث العظيم الذي لم يترك مثله عظيمٌ غيره في أمته، هذا الإرث الذي فاض بنميره على البشرية حتى أغدقها فكراً وعطاءً وغمرها نوراً وحياة فأينعت به الضمائر واخضرّت به القلوب.

يقول الكرباسي: (وإنما نؤكد على عظمة الإمام الحسين حيث شغل العالم به ولا زالوا، ومثل هذا الرصيد قلما يناله أكبر الشخصيات العالمية، ومن هنا فإن الإمام ونهضته لازالا ماثلين في جميع العهود والأمصار وتستهوي جميع الفئات من كل الأقطار). 

بيّن الكرباسي عمله في هذا الكتاب في خمسة عشر نقطة تتلخص في تقسيمه للكتاب على خمسة فصول يضم الفصل الأول كلام الله عز وجل والأنبياء وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويضم الفصل الثاني أقوال مشاهير أعمدة الفكر والاجتماع والسياسة، أما الفصل الثالث فخصصه الكرباسي للذين قالوا عن الإمام الحسين (عليه السلام) من ضمن مقالاتهم في تقييم أجزاء موسوعة دائرة المعارف الحسينية، أما الفصل الرابع فيضم مجموعة كبيرة من النتف المقتبسة من نصوص وردت في المقالات أو المصنفات لمجموعة من الشخصيات، وتضمن الفصل الخامس معرضا لصور كثير من الشخصيات التي وردت أسماؤها في الكتاب.

وقد عمل الكرباسي في نقل الأقوال بمبدأ الحروف الهجائية حسب الاسم أو اللقب الذي اشتهرت به شخصية القائل ليسهل الرجوع إليها، مع وضع عنوان للنص، وترجمة للقائل وشرح للكلمات المبهمة التي تحتاج إلى توضيح، وتحديد المصدر الأساس خشية من الوقوع في الاختلافات التي لا تؤدي المقصود أو تؤثر على معنى القول في المصادر الأخرى، وزيادة في العمل بمبدأ الأمانة الفكرية فإن الكرباسي ينقل النص الغير عربي مترجماً وينقله بلغة القائل في الهامش كما تفوّه به، ومن باب التقويم فإنه يعيد صياغة القول إذا كان غير دقيق أو يستدعي إعادة صياغة من جديد ليكون أدبياً وأكثر واقعية، إضافة إلى ذكر سبب القول ووضع الفهارس العامة.

وفي باب الملابسات يبين الكرباسي أنه لا يذكر أي قول ــ هكذا على عواهنه ــ دون أن يحرص كل الحرص على التحرّي عن القول والتحقق من مصدره قبل إثباته، وقد بيّن فيه كثيراً من الأقوال لشخصيات لم يجد مصدراً لها

لقد أدركت هذه الشخصيات وغيرها عظمة الحسين وهو يواجه الباطل بقوله (عليه السلام): (ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون, وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).

كما وقفوا على سر عظمته عندما قال: (إني لم أخرج أشراً, ولا بطراً, ولا ظالماً, ولا مفسداً, وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله, أريد أن آمر بالمعروف, وأنهى عن المنكر).

وأخيرا فللكرباسي قول عظيم في الإمام الحسين (عليه السلام) هو هذا الكتاب


العودة إلى الأعلى