معجم المشاريع الحسينية .. الجزء الثاني .. ببلوغرافيا الشعوب

: محمد طاهر الصفار 2024-10-01 09:33:50

يكمل المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي رحلته الشاقة والشيقة والتي يجوب بها العالم عابراً المحيطات والبحار والجبال والصحارى والأنهار والغابات ليصور لنا بعدسته التاريخية تاريخ الدول ومعالم الشعوب وعاداتها وتقاليدها وأبرز خصائصها وميزاتها وعواصمها ومساحاتها ومواقعها ولغاتها وأعداد نفوسها ونظامها السياسي والاقتصادي وما يشكله الشيعة من نسبة قياسا بتعدادها وأبرز الأحداث في تاريخها واختلاف طوائفها ومعتقداتهم وأنشطة الشيعة فيها والمؤسسات والمراكز والجمعيات والمدارس التي أقاموها ومساهمتهم في بناء حضارة تلك الدول.

وقد بدأ في الجزء الأول من هذا الكتاب الحديث عن خمس دول هي: أذربيجان وأثيوبيا والأرجنتين والأردن وأرمينيا.

وفي هذا الكتاب وهو الجزء الثاني من معجم المشاريع الحسينية والثالث والسبعون من أجزاء موسوعة دائرة المعارف الحسينية يشد الكرباسي الرحال إلى باقي الدول ليتحفنا بهذه المعلومات عن: أريتريا وإسبانيا وأستراليا وإستونيا وأفريقيا الوسطى وأفغانستان والإكوادور وألبانيا وألمانيا وأمريكا وأندونيسيا

إن ما يشد انتباه القارئ هو زخارة المعلومات التي قدمها الكرباسي ودقتها عن تاريخ وحضارة تلك الدول والمراحل التي عاشتها شعوبها من تقدم وانحسار بسبب الظروف السياسية والتي تكاد تخفى حتى على المعنيين بهذه الجوانب.

وهناك ما يميز بحوث الكرباسي في هذا الجانب هو إظهار الجانب المخفي لهذه الدول والذي طالما شعت السياسات المعادية لأهل البيت (عليهم السلام) على إخفائه وهو أنه لا يعود الفضل للشيعة في دخول الإسلام إلى هذه البلاد وانتشاره فيها فقط، بل يعود لهم الفضل في بناء حضارة إنسانية فيها وزرع ثقافة الإسلام ومفاهيمه في نفوس أهلها، كما كان لهم الفضل في الدفاع عنها من الغزوات ومقاومة المحتلين.

فقد دخل الشيعة إلى تلك البلاد ولم يحملوا معهم سيفا ولا سلاحا بل حملوا معهم قلوبهم النقية التي جُبلت على التسامح والسلام عملا بوصايا أئمتهم (عليهم السلام) كما حملوا معهم ثقافة الإسلام وتعاليم نبيهم العظيم محمد (صلى الله عليه وآله) في الحث على العلم والعمل الصالح ولا تزال آثارهم في تلك البلاد باقية رغم كل ما واجهوه من عقبات وصعوبات ومحن.

وكان من الطبيعي أن يحمل أولئك المهاجرون الشيعة الهاربون من ظلم السياسات تلك الحرارة التي (لا تبرد أبداً) حرارة الدماء الطاهرة التي سالت على أرض الطف والتي تجري في نبض كل مؤمن، فحيثما يوجد الشيعة توجد الشعائر الحسينية في أي زمان ومكان، حتى وصلت إلى جميع أصقاع العالم وكان لها الفضل في دخول الكثير إلى الإسلام، يقول الكاتب الفرنسي الدكتور جوزيف توسان رينو: (ويمكن القول بأنه لا يمضي قرن أو قرنان حتى يزيد عدد الشيعة على عدد سائر فرق المسلمين، والعلة في ذلك هي إقامة هذه المآتم التي جعلت كل فرد من أفرادها داعية إلى مذهبه).

وقد دلت كل الحقائق التاريخية على أن الشيعة هم أول من أدخل الإسلام إلى أفريقيا وأندونيسيا والهند وكثير من البلاد التي أصبحت جزءاً من الحضارة الإسلامية، يقول الكرباسي عن التشيع في أريتريا:

(ولا يخفى أن التشيع الفكري بدأ بهجرة أمثال جعفر بن أبي طالب وعثمان بن مظعون من مكة قبل الهجرة وبعد البعثة النبوية وأما التشيع العقائدي والعمل الحركي فبدأ في هذه البلاد مع الاضطهاد الأموي لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

ثم ينقل الكرباسي عن مندوب مجلة الصياد البيروتية عندما سأل أفراد قبيلة بني عامر التي تسكن الصحراء الأريترية إلى أي طائفة ينتمون فقالوا له: (إلى الطائفة الشيعية وعلى مذهب سيدنا الحسين)

وهكذا يتتبع الكرباسي الخط العريق والطويل للتشيع في إسبانيا (الأندلس) وفيه يشير إلى محاولات إخفاء التشيع عن هذه الأرض، والغاية من وراء ذلك إفراغ التاريخ الشيعي الفكري والعلمي والسياسي والأدبي الزاخر من جهود أعلامه ومفكريه وسياسييه وقادته، وتجريده من رجالاته الذين اتخذوه منهجاً وعقيدة، وحملوه فكراً وعلماً.

فالشيعة وطأت أقدامهم هذه الأرض منذ أيام الفتح الأولى ثم هاجر إليها رجال من الشيعة من أعمدة وأساطين التشيع ثم يتحدث الكرباسي بالتفصيل دور الشيعة وعلمائهم في بناء الحضارة الأندلسية التي كانوا عمادها، فأرقى فترات الإزدهار والتمدّن التي شهدها التاريخ الأندلسي كانت في عهد الدول الشيعية.

 

إن النظرة المتفحصة للتراث الفكري والعلمي الأندلسي تدلنا على انه كان صنيعة كوكبة من العلماء والمفكرين الشيعة الذين أفنوا حياتهم في وضع هذا التراث فأغنوا البشرية بعلومهم وأفكارهم وآرائهم.

فكانت النواة الاولى للكثير من النظريات والأكتشافات والتي كانت لها صلة وثيقة بما تحقق في العصور اللاحقة،

ولعل من ابرز ما تحقق من انجازات على يد العلماء الشيعة هو ما حققه الشريف الادريسي ـــ محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس بن يحيى بن علي بن حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي وضع اقدم خريطة عالمية صحيحة كبيرة مفصلة وموضوعة بغاية الضبط والاتقان والوضوح عرفها التاريخ الى الآن، وهي أقرب صورة عرفت في تلك العصور السابقة مطابقة لما وصل اليه العلم الحديث.

وهكذا يكشف الكرباسي عن هذا التاريخ المخفي كما يكشف الصياد عن الدر في الصدف فيتابع بحثه عن بقية الدول وجذور التشيع فيها

محمد طاهر الصفار

العودة إلى الأعلى