النميمة بين الموظفين وأثرها على بيئة العمل
لا تخلو بيئة العمل أو الوظيفة من بعض السلبيات بل والآفات الخطيرة التي تهدّد العلاقات بين العاملين أو الموظفين، وتخلق بيئة عمل غير مستقرة تحتوي على كثير من المشاكل والمعوّقات، وتلك الأمراض أو الآفات لا تنمو وتكبر إلا إذا وجدت الظروف المناسبة لها فتنتشر بقوة حتى تصعب السيطرة عليها أو التخلص منها تماما، ولعل واحداً من أهم تلك الأمراض التي تصيب العلاقات الإنسانية عامّة والعلاقات بين الموظفين والعاملين خاصّة مرض النميمة أو (القيل والقال)كما هو شائع بين الناس.
والنميمة من الأمراض الأخلاقية والاجتماعية الخطيرة التي تفسد العلاقات بين الناس وتهدد استقرارها إذ إنّ غايتها معروفة وخبيثة، فهي داء مدمر للإفراد والمؤسسات والمجتمع، لذلك حرّمها الإسلام وعدّها من الكبائر وقد ذكرها الله تعالى في محكم كتابه الكريم في سورة القلم بقوله(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)) فقد نهى عن إطاعة الهماز المشاء بالنميمة لما في ذلك من نوايا خبيثة هدفها هدم العلاقات بين الناس، وكذا ما ورد عن رسول الله (صلى الله على وآلة وسلم) عن النميمة بقوله: (ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة). ومنه كذلك قول الإمام الباقر (عليه السلام) (الجنة محرمة على المغتابين المشائين بالنميمة». وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يدخل الجنة سفّاك للدماء، ولا مدمن للخمر ولا مشاء بنميم)
إن بيئة العمل بيئة يكثر فيها الحسد والغيرة والتنافس والطموح والمغريات والامتيازات والفساد بكل أنواعه، وكل هذه الأمور توفّر أرضية خصبة للنميمة أو القيل والقال،فالموظفون ليسوا بمستوى واحد من الناحية الأخلاقية والاجتماعية والكفاءة، لذلك يسعى بعضهم بدافع الحسد والتنافس في استلام المناصب الوظيفية أو السيطرة على زملائه والتحكّم بهم، إضافة إلى حب بعضهم السلطة والجاه والمال والتملّق والتقرّب من المسؤول والرغبة في الظهور بمظهر قوي أمام الآخرين، فضلا عن الأمراض الأخلاقية والنفسية الكامنة في دواخل بعض الناس، كل هذه الأسباب تدفع الفرد إلى السير في طرق غير سليمة في سبيل تحقيق مبتغاه.
إلّا أنّ السبب الأكبر في تفشّي النميمة في المؤسسات والدوائر وأماكن العمل هو الإدارات التي لديها شعور بالنقص والخسّة والفشل؛فهي تستمع إلى (القيل والقال) وتجند بعض الموظفين أو العاملين لهذا الغرض، وهذا الفعل يعكس غياب الثقة لدى المسؤول بنفسه وبموظفيه، فلو كان واثقًا من قدرته على إدارة الدائرة او الهيئة التي يرأسها بشكل جيد لما لجأ إلى هذه الأساليب الخسيسة والمحرمة في إدارة العمل؛ إذ إنّ هذا الفعل يشجع الموظفين أو العاملين على التملّق للمسؤول.
قد يرى بعض الموظفين أنّ نقل الكلام إلى المسؤول يعد من واجبه الوظيفيّ، بمعنى أنّ الإدارة يجب أن تكون على اطّلاع كامل بما يحدث وما يتحدث به الموظفون، فمثل هذا الموظف لا يحسب أن العمل هذا محرم وغير أخلاقي بل يعدّه شيئا مهما وواجبا وظيفيا بالنسبة له، هذا فضلا عن أن مثل هذه النماذج يسترق الكلام من المقابل بطريقة دبلوماسية وسلسلة فهو قد يقوم بالتذمر من الإدارة أو من أحد الموظفين ويشكو مأساته من هذا الفعل حتى يطمئنك فتقوم أنت بالكلام معه محاولا بذلك التخفيف عنه، فيقوم النمام بتلفيق الكلام ونقله إلى الآخر بطريقة مغايرة.
لذا فإنّ شيوع النميمة في دوائر العمل أمر خطير جدًّا لأنّها ببساطة تترك كثيراً من النتائج السلبية تنعكس على العامل أو الموظف وبيئة العمل أيضا أهمها:
1- خلق بيئة مشحونة ومتوترة ليس فيها سوى المشاكل مما يؤدّي إلى ضعف الإنتاج والأداء الوظيفي للمؤسسة أو الدائرة؛ وذلك لأن المؤسسة التي يكثر فيها هذا الأمر تنشغل بتلك المشاكل وتترك التفكير بتطوير عملها وإمكانيتها وخططها المستقبلية على مختلف المستويات.
2- نشوء العداوة والكراهية والبغضاء والتآمر والمكائد بين الموظفين؛ لإنّ النميمة تفسد العلاقات بينهم وتقطع التواصل بين الموظفين.
3- إن من أخطر نتائج (القيل والقال) شعور الموظف أو العامل الذي يتعرّض للنميمة بالإحباط واليأس وفقدان الرغبة بالعمل وصولاً إلى أن يبدي كرهه للعمل ويفكر بالانتقال منه إلى عمل آخر أو تركه.
وبحكم عملي في دوائر متعددة فقد مررتُ بهذه التجربة وأدرك مدى تأثير (القيل والقال) على نفسية الشخص، وكيف تجعله محبطًا يائسًا فاقدًا للأمل، وتأثير ذلك يمتدّحتى على حياته الشخصية خارج العمل، ولقد لاحظتُ أمرًا في واقعنا الحالي هو أن الموظف أو العامل الشريف والنزيه والكفوء وذا الاخلاق العالية-رجلا كان أم امرأة-هو أكثر من يتعرّض للنميمة.
4- غياب الثقة بين العاملين والموظفين فيما بينهم من جهة وما بينهم وبين الإدارة العليا المسؤولة عنهم من جهة أخرى، بالتالي تغيب روح العمل الجماعية والتعاون بين الجميع وتسود روح العمل الفردية وتكثر الاجتهادات الشخصية التي قد تضرّ بجودة العمل، وتؤدي إلى الفشل في النهاية.
إن الادارات الناجحة تسعى دائمًا إلى خلق بيئة عمل جيدة ومستقرة يمكن للموظف أو للعامل عبرها أن يقدم أقصى جهد وكفاءة في العمل، وتجعله محبًّا لعمله مبدعًا فيه، وهذا لا يتحقّق في مكان يسود فيه (القيل والقال)، فترى أجواء العمل مشحونة مليئة بالبغضاء. لذلك يقع على عاتق الإدارات -المدير أو الرئيس- أن تبتعد عن تقريب بعض الموظفين أو تفضيلهم على زملائهم لغرض النميمة أو التجسّس، وكذلك يتوجّب عليها فضح وردع النمامين وزجرهم حتى لا يفسدوا بين الموظفين أو العاملين، فالنميمة تعرف بأنّها (نقل الكلام بين الناس بغية الشر والفساد فيما بينهم )وتعرف أيضا بأنها(َنقلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ) لأنّ الخراب الذي يحصل سيرتد على الإدارات نفسها، فمن يريد النجاح عليه أن لا يتسلق على أكتاف الآخرين ؛ لأن صعوده لن يدوم طويلاً؛ وسينكشف عاجلاً أم آجلاً .
فالنميمة سلوك مشين مذموم ولكن خطورته تزداد إذا ما تمّ تزيينه بالكذب والتلفيق على الآخرين.