معجم الشعراء الناظمين في الحسين .. الجزء الأول .. إطلالة على السِّيَر
عطاء الثورة الحسينية معين لا ينضب على كافة الأصعدة والمجالات ومنها الشعر فعلى هذا الصعيد كان الشعر الحسيني منذ يوم عاشوراء في طليعة الشعر العربي كمّاً ونوعاً، فقلما تجد شاعراً عربياً لم يستعرض حادثة الطف في شعره مستذكراً وقفة الإمام الحسين الخالدة ومستلهماً من قيمها ومبادئها السامية.
وقد بذل المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي جهودا كبيرة في جمع هذا الشعر عبر أربعة عشر قرنا تمثلت في دواوين القرون الأربعة عشر, وبعد أن وضع هذه الدواوين التي ضمت آلاف القصائد كان الشعور (بالحاجة إلى التعريف عن الشاعر يراوده حيث يظل الشاعر مجهولا عند الكثير من القراء بدونه وتبقى قيمة الشعر محدودة بعدم معرفة قائله).
ومن هذا المنطلق الذي يدل على حرص الكرباسي في جميع مباحث موسوعته الخالدة (دائرة المعارف الحسينية) على تكامل الصورة واستكمال أدوات البحث فقد بادر إلى وضع هذا المعجم والذي يضم (ترجمة الشعراء الناظمين في الإمام الحسين (عليه السلام) بأقل ما يمكن، للإحاطة به من الناحية الأدبية ــ جانب الشعر ــ ولا يخفى على أحد دور الشعراء في نشر أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) على مدى العصور والأجيال وهو دور مشرف)
إن اسم الحسين ونهضته واستشهاده وأهدافه ترف في روح كل شاعر مبدئي مؤمن بالإنسانية ويسعى إلى الانتصار للحق والعدل والمبادئ السماوية، فمن خلال رؤيته العقائدية استطاع رسم عالم زاخر بالسمو الروحي استمده من السيرة العظيمة لهذا الإمام العظيم وما استلهمه من الدروس والمبادئ السامية التي حفلت بها حياته (عليه السلام) ومواقفه العظيمة في الذود عن الإسلام فعمل على توظيف هذه المواقف فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً وسياسياً في تأكيده على حقيقة الصراع بين قيم الخير التي جسدها في كربلاء وبين قيم الشر التي تجسدت في أعدائه.
وقد أكد الكرباسي على هذه الحقيقة بقوله في تمهيده للكتاب: (وأما الشاعر الذي يستخدم فن التعبير في نصرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأهدافه ويتخذ من نفسه إذاعة جوالة لنشر مفاهيم تلك النهضة المباركة التي عنونها الإمام (عليه السلام) بقوله: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) وأطلق من خلالها أسس الحياة الكريمة التي منها قوله المدوِّي: (إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم) تلك الحقيقة التي امتازت بصدق العمل وحرية الضمير
فالشاعر المخلص والموالي يشعر بالذنب إن لم يشترك مع سيده الحسين في ترسيخ تلك الأسس التي تنازل لأجلها الإمام عليه السلام عن حياته وحياة أعز المقربين إليه)
وبعد أن يبين الكرباسي الهدف من نشر الشاعر لمبادئ الإمام (عليه السلام) ونصرة قضيته العادلة يستعرض نماذج من شعر شعراء العقيدة الذين هاموا بحب الحسين كالشريف الرضي ومهيار الديلمي والخوارزمي وغيرهم ثم يوضح أهمية شعر العقيدة وما يمثله من دور إعلامي لنصرة الدين والشعراء الذين واكبوا المسيرة الحسينية رغم أجواء الرعب التي زرعتها السياسات الأموية والعباسية ضدهم وممارستها أقسى أنواع التعذيب والتنكيل بحقهم.
ويعطي الكرباسي للشعر قدسية وربما كان لفظ (الفن المقدس) هو أجمل ما يمكن أن يطلق على الشعر حيث يلخص الكرباسي دور الشعر في الإسلام والأمم بقوله: (الشعر فن له قدسيته ومكانته لدى جميع الشعوب وفي كل الأعصار والأمصار) وقد اقتبس ذلك من قول النبي (صلى الله عليه وآله) لحسان: (لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك) وقول الإمام الصادق (عليه السلام) للكميت بن زيد الأسدي: (لا تزال مؤيدا بروح القدس ما دمت تقول فينا)، وقول الإمام الرضا (عليه السلام) لدعبل بن علي الخزاعي: (يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك).
ينتقل الكرباسي بعدها إلى مبحث (الشعر والشعراء) وفيه يستعرض أول من قال الشعر عند العرب وهو جد الرسول (صلى الله عليه وآله) مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أما أول من قاله في الإسلام فهو عم النبي، أبو طالب بن عبد المطلب، أما في باب طبقات الشعراء فيستعرض الكرباسي آراء النقاد القدامى في تصنيف الشعراء ثم يطرق باب (الشعر والإلقاء) ويتحدث عن دور الإلقاء في التأثير على المتلقي وباب (الناظم والشاعر) وملخصه أن الشاعر هو الذي يحقق الغاية والفن في نفس الوقت بوصفهما عنصرين متداخلين وتتجلى قدرة الشاعر الحقيقي في التوفيق بينهما وإحداث التناغم في الانطباع والانسجام. فـ (كل شعر نظم وليس العكس)
أما في باب (الترجمة) فيعرفها الكرباسي بالقول: معناها التوضيح والتفسير ثم يقدم بحثا تاريخيا عن الترجمة وتاريخها وأبرز المترجمين ومن صنف فيها كما يشير إلى يد معاوية بن أبي سفيان في تحريف معالم هذا الفن لكي لا يظهر نسبه المخزي على الملأ وما عملية إلحاقه زياد بأبيه أبي سفيان إلا تهتكا واستخفافا بعلم الترجمة والأنساب.
وبعد أن يوضح الكرباسي في باب (المعجم) معنى هذه الكلمة والمراد منها وأبرز من ألفوا فيها من القدماء يستعرض في باب (هذا المعجم) الغاية من هذا الكتاب والتي عددها الكرباسي في عدة نقاط تتمحور حول إعطاء صورة واضحة للشعراء وبيان شعرهم الذي أضيع بسبب السياسات المعادية تارة وتارة بسبب الأهواء المذهبية من قبل المؤرخين إضافة إلى أمور أخرى تخص الشاعر وشعره
ثم يشرع الكرباسي في أجواء الترجمة ببيانه وبراعته ليقدم في هذا الجزء تراجم أربعة وأربعين شاعرا ليكمل مشواره في الجزء الثاني